هل تمتلك الحق كاملًا؟ – جوزيف أنطون
جُمل مخيفة!
إن كان ماضيك يتضمن اجتيازك للمرحلة الابتدائية في واحدة من المدارس الحكومية في منطقة شعبية – مثلي، ففي الأغلب قد اجتزت اختبار المواجهة مع الصديق “س” الذي يتفنن لتعكير صفو يومك بشتى الطرق. وعادة يستعمل “س” دائمًا سلاح دفاعي لا يخيب أبدًا عند محاولتك لردعه عن أفعاله التي لا ترضيك، هذا السلاح لا يصنف ضمن الأسلحة البيضاء ولا القذائف المحرمة دوليًا، بل هو عبارة واحدة تقف أمامها مكتوف الأيدي، وهي “احذر، لا تقترب لي، الشنطة بها كتاب دين”. وهنا كل خططك واستراتيجياتك الحربية كطفل قد باءت بالفشل!
الجملة السابقة هي جملة من ضمن الجمل التي يحتار الفرد في الأجابة عليها، ومن الواضح أن الكبير والصغير يستدعي جمل كتلك الأخيرة كمحاولة لإسكات الطرف الأخر، كما فعل الفريسييون والهيروديسييون لكي يصطادوا المسيح بكلمة في سؤاله عن إعطاء الجزية (مرقس 12: 13- 14).
من ضمن تلك الجمل التي تجعل الفرد حريص ألا يتم اصطياده بكلمة هي “هل تمتلك الحق كاملًا؟”. فبمجرد سماعها، تعرف أنك مقبل على سلسلة من السجال والجدال. فإن كانت إجابتك تُلمح فيها لنعم، فستكون ردود الفعل: “يا لك من متكبر، من يمتلك الحق غير الله! كل شيء نسبي ولا يوجد حق … إلخ”.
لنا حق في الحق
“وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.” (يوحنا الأولى 5: 20).
عزيزي القارئ إن تيقنت يومًا أنه لابد وأن يكون إجابتك على سؤال “هل تمتلك الحق في هذا الموضوع؟” هي نعم، فلا تتردد، فأنت تقف على أرض صلبة كتابيّة. فالروح القدس يخبرنا في النص السابق أن بمجيء المسيح إلى أرضنا قد وهب –لمن هم متحدين بالحق- بصيرة لكي يعرفوا الحق.
الله حق (يوحنا الأولى 5: 20)، المسيح يسوع هو الحق (يوحنا 14: 6)، الروح القدس هو روح الحق (يوحنا 16: 13)، كلمته المقدسة هي حق (يوحنا 17: 17). ولأننا أبناء الله، المخلوقين خليقة جديدة في المسيح، المنقادين بروح الله، والذين نحيا وفقًا لكلمته، فلا عجب إن عشنا في هذه الحياة على يقين شديد من أمور كثيرة.
لنا الحق أن نعترف بكامل الثقة أننا نمتلك الحق في أن الله واحد. مَن مِن مُدعين النسبيَّة الذين يؤمنون بالله ويعترفون أنهم مسيحيين سوف يعترض على هذا؟ لنا الحق في أن نعترف أننا نمتلك الحق بالكامل في أن المسيح صلب وقام من الأموات. لنا الحق في أن نمتلك الحق بالكامل في أن الله موجود، وله كامل القدرة، وكامل الحكمة والعلم.
لا أنا لا أدّعي أبدًا أنني أمتلك كل الحق في أمور كثيرة فرعية في الكتاب المقدس، ربما إيماني بخصوص مواهب الروح القدس أكون مخطئًا فيه، ربما أكون على خطأ بخصوص نظرتي في الأمور الأخرويّة. إلا أنني يجب أن أدافع بثقة ويقين تام عن كل الأمور الواضحة في الكتاب المقدس، التي أراد الله من شعبه أن يعرفوها حقًا ويقينًا.
في الحقيقة اللغة اليقينية في الكتاب المقدس أكثر من اللغة التي تحتمل معنى الشك واللا يقين! فها بولس يقول “لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي” (تيموثاوس الأولى 1: 12). وفي النص الشهير في (رومية 8: 28) يقول “وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ”. وغيرها وغيرها من النصوص التي تدَّعم كون أن الكتاب المقدس لا يقف ضد اليقين.
السُم في العسل
في اعتقادي أن إبليس في تلك الأيام لا يستخدم فقط الطرق التقليدية لخداع المؤمنين، فالخطية ليست فقط القتل والسرقة والزنا. بل بكل مكر يحاول أن يدس السُم في العسل، أن يستدرجنا في اتجاه عكس مشورة الله، ولكن بطرق لطيفة.
في الأسبوع الماضي شاركني أحد أصدقائي بفيديو فيه معلومة غريبة جدًا، وهي أن واحد من الخدام المشهورين عالميًا يحب اثنان من الوعاظ، وهما: الواعظ المعمداني جون ماك آرثر، والقس جويل أوستين! أي متابع لهذان الاسمان سيعرف لماذا أتعجب.
على صفحات الفيس بوك تجد الشخص يضع علامات الإعجاب وقلوب المحبة لفكرة وعكسها. في خدمات الكنائس تستطيع أن تجد نفس الإعجاب بعظة تتكلم عن مركزية الله، وآخرى عن مركزية الإنسان، وربما يكون ذلك الإعجاب للعظتين من نفس الشخص وفي نفس الوقت!
وبخ الله الشعب قديمًا بأنهم يعرجون بين الفرقتين (ملوك الأول 18)، وتمنى أن يكون ملاك كنيسة اللاودكيين باردًا أو حارًا (رؤيا 3: 15). بينما نُقّر ونعترف بمحدوديتنا كبشر، وجهلنا بالكثير من الأمور، وعدم معرفتنا لكل الأشياء، وأننا الأن نمتلك فقط بعض المعرفة. إلا أن كل هذا لا يعطينا المساحة في أن نُنكر الحق، أو نتخلى عنه. فهناك فرق كبير جدًا بين أن نعترف بمحدوديتنا باتضاع، أو أن نعيش في ميوعة مدّعين اللطف، واضعين السُم في العسل.