قداسة الله – هيرمان بافنيك
ترتبط قداسة الله ارتباطًا وثيقًا بصلاح الله. في الماضي، كانت توصف بأنها “التحرر من جميع أنواع النجاسة… طهارة كاملة، وغير ملوثة بالمرة”. في كثير من الأحيان لا نتعامل مع قداسة الله كصفة مميزة إلى جانب صلاح وكمال وجمال الله. لم يُناقش توماس أو لومبارد ذلك. عرَّف اللاهوتيون الإنجيليون قداسة الله في الأساس بنفس المصطلحات: فهي تتكون من “الكمال الأخلاقي” أو “النقاء”، وكانت في بعض الأحيان أكثر ارتباطًا ببر الله، وصلاحه، وكونه جديرًا بالثقة، وحكمته. بالرغم من ذلك، إذا أجرينا بحثًا في المصطلح الكتابي “مقدس”، ستبرز لنا وجهة نظر أخرى. يعترف الجميع في الوقت الحاضر أن مفهوم القداسة في العهد القديم والعهد الجديد يُعبِّر عن علاقة الله بالعالم. غير أنه هناك اختلاف بشأن الطابع المحدد لهذه العلاقة.
بعد إلقاء نظرة على بعض المقاطع الكتابية مثل هوشع 11: 9؛ إشعياء 57: 15؛ حزقيال 20: 9، ربط مينكن القداسة بصلاح ونعمة الله العلي. ومع ذلك، يعتقد بوديسين أن سمو الله المطلق وقوته على كل الخليقة هما اللذان تم التعبير عنهما في قداسته. وقد دعمه في هذا الرأي ريتشل وغيره، مستندين على عدد 20: 13؛ إشعياء 5: 16؛ حزقيال 20: 41؛ 28: 25؛ 36: 20-24. كما أن الربط بين المجد والقداسة جاء في بعض النصوص مثل إشعياء 63: 15؛ 64: 11؛ إرميا 17: 12؛ حزقيال 20: 40، وهكذا.
يتبنى شولتز وجهة نظر شديدة القرب أيضًا، وهي، واستنادًا على خروج 15: 11؛ 1 صموئيل 2: 2؛ 6: 20؛ إشعياء 6: 3؛ 8: 13؛ 10: 17، تربط قداسة الله مع عظمته المتوهجة، وعدم المقدرة للوصول إليه، والمسافة اللامتناهية التي تفصله عن جميع المخلوقات.
وبما أن الخلاف الأكبر يتعلق بمسألة تحديد الصفة الإلهية التي تعني في الواقع قداسة الله، فقد اعتقد آخرون أن هذا المصطلح أبعد ما يكون عن الإشارة إلى صفة أساسية داخلية، إنه يصف فقط علاقة، وبالتالي فهو ليس أكثر من مصطلح علاقاتي. وقد ناقش دايستل بشكل خاص هذا الرأي، وأقنع كثيرين بقبوله أيضًا. كذلك، أولئك الذين لا يعتقدون أن القداسة يمكن وصفها تمامًا كعلاقة، عادة ما ينطلقون من هذه الفكرة عند تعريفهم لقداسة الله.
الجذر קדשׁ، الذي يتعلق ب חדשׁ، عادة ما تعود جذوره إلى קד، ما يعني “أن يقطع” أو “يفصل” وبالتالي فهو يعبر عن فكرة أن تكون معزولًا أو مقطوعًا.
الآن، تُستخدَم كلمة “مقدس” أولًا للإشارة إلى مجموعة من الأشخاص والأشياء التي عُزلت عن الاستعمال العام وأُدرجت في علاقة خاصة بالله وبخدمته. لذلك نحن نقرأ عن “الأرض المقدسة” (خروج 3: 5)، و”المحفل المقدس” (خروج 12: 16)، و”شعب مقدس” (خروج 19: 6)، و”مكان مقدس” (خروج 29: 31)، و”دهن المسحة المقدس” (خروج 30: 25)، و”كتان مقدس” (لاويين 16: 4)، و”سنة اليوبيل المقدسة” (لاويين 25: 12)، و”منزل مقدس” (لاويين 27: 14)، و”حقل مقدس” (لاويين 27: 21)، و”عشور مقدسة” (لاويين 27: 30)، و”مياه مقدسة” (عدد 5: 17)، و”أوعية مقدسة”(عدد 16: 37)، و”بقرة مقدسة” (عدد 18: 17)، و”محلة مقدسة” (تثنية 23: 14)، و”ذهب مقدس” (يشوع 6: 19)، و”خبز مقدس” (1 صموئيل 21: 4)، و”تابوت العهد المقدس” (2 أخبار الأيام 35: 3)، و”زرع مقدس” (عزرا 9: 2)، و”مدينة مقدسة” (نحميا 11: 1)، و”عهد مقدس” (دانيال 11: 28)، و”وعد مقدس” (مزمور 105: 42)، والهيكل كـ”سكن مقدس” (خروج 15: 17)، مع “القدس” و”قدس الأقداس”؛ و”المقدسين” (الملائكة وأبناء إسرائيل) (تثنية 33: 2-3؛ أيوب 5:1؛ 15: 15؛ مزمور 16: 3، 10؛ أمثال 9: 10؛ 30: 3؛ دانيال 4: 17؛ 7: 18، 21-22، 25، 27؛ هوشع 11: 12؛ زكريا 14: 5).
في جميع هذه الحالات، لا يشير مصطلح “مقدس” إلى صفة أخلاقية داخلية، بل يشير فقط إلى أن الشخص أو الأشياء التي وُصفت على هذا النحو قد تم تكريسها للرب، وتم وضعها في علاقة خاصة لخدمته. وبالتالي، فهي منفصلة عن الاستخدام العام. لكنَّ الأشخاص والأشياء التي تُدعى “مقدسة” لا تستمد هذه العلاقة الخاصة بالله من نفسها. فالله ومخلوقاته بالطبيعة منفصلون، ومتمايزون، ومتعارضون. إن العالم بأسره هو عالم منحط، ودنس، وليس في شركة مع الله، وغير صالح لخدمته. وحتى ما هو طاهر ليس مقدسًا بعد. ولا يمكن لهؤلاء الأشخاص والأشياء أن يقدسوا أنفسهم ويفترضوا لأنفسهم تلك العلاقة المميزة مع الله التي تنقلها لنا كلمة “مقدس”. القداسة تأتي من الله وحده. هو الذي يقدس إسرائيل، والكهنوت، والهيكل، والمذبح، وبعض الأماكن الخاصة، والأشخاص، والأشياء الذين يُدخِلهم في خدمته وشركته، ويميزهم عن ما هو غير مقدس. “أَنَا الرَّبُّ ٱلَّذِي يُقَدِّسُكُمْ” (خروج ٣١: ١٣؛ لاويين ٢٠: ٨؛ ٢١: ٨، ١٥، ٢٣؛ ٢٢: ٩، ١٦، ٣٢؛ حزقيال 20: 12؛ 37: 28).
إن تقديس الرب للأشخاص والأشياء يتم بطريقتين: سلبيًا، عن طريق اختيار شعب أو شخص أو مكان أو يوم أو شيء وتمييزه عن البقية؛ وعلى نحو إيجابي، بتكريس هؤلاء الأشخاص أو الأشياء وجعلهم يعيشون وفقًا لقواعد محددة. الله يقدس السبت، ليس فقط بتمييزه عن باقي أيام الأسبوع، بل أيضًا براحته في ذلك اليوم ومباركته إياه (تكوين ٢: ٢-٣؛ خروج: ٢٠: ١١؛ تثنية 5: 12). وقد قدس الله شعب إسرائيل كله باختياره من بين جميع شعوب الأرض، وبإدراجه في عهده، وبتعريفه إياه بشرائعه (خروج ١٩: ٤-٦). إن قداسة الله هي المبدأ الذي يميز كل القوانين، والوصايا الأخلاقية، وتلك المتعلقة بالطقوس، والإعلان الكامل بالخلاص الذي أُعطيَ لإسرائيل، والذي لم يكن غرضه سوى تقديس إسرائيل (خروج ١٩: ٤-٦؛ لاويين ١١: ٤٤-٤٥؛ 19: 2؛ 20: 26). إن إسرائيل مُقدسة لأن الله جعل منها مملكته الخاصة؛ فقد أتى إلى هذا الشعب، وسكن بينهم، وأصبح لهم إلهًا (خروج ١٩: ٤-٦؛ 29: 43-46). وفي هذا الإطار أيضًا قدس الله الأبكار بشكل خاص بتخصيصه لهم لنفسه (خروج ١٣: ٢)؛ والشعب، بجعلهم يغسلون ملابسهم، وبالتالي يُعِدّون أنفسهم للقاء الله (خروج ١٩: ١٠، ١٤)؛ والجبل، بوضع حدود من حوله (خروج ١٩: ٢٣)؛ والكهنوت، بمسحه، ورشه بالدم، وإلباسه ثياب الكهنوت (خروج ٢٨: ٣، ٤١؛ 29: 1، 21)؛ وخيمة الاجتماع والمذبح بمسحهما (خروج ٢٩: ٣٧؛ 40: 9؛ لاويين ٨: ١٠-١١؛ عدد 7: 1)؛ وزيت المسحة، بإعداده بطريقة خاصة (خروج 30: 22 وما يليه)؛ والنذيرين، بجعلهم يعيشون وفقًا لبعض المراسيم المحددة (عدد 6: 2 وما يليه)؛ وهكذا..
وبهذه الطريقة، قد جعل من الحياة المقدسة حياة متفردة، لها طابعها الخاص بها، ومتميزة عن الحيوات والقوانين المعتادة للشعوب الأخرى. على سبيل المثال، لا يمكن لمسها (خروج 19: 23-24)؛ ولا يجوز أكلها (خروج 29: 33) أو استخدامها (خروج 30: 32)؛ فهي تجعل كل ما يلمسها مقدسًا (خروج ٣٠: ٢٩؛ لاويين 10: 2؛ عدد 1: 51، 53؛ 3: 10، 38؛ إشعياء 8: 14).
الفعل الإيجابي الذي يجعل الشيء مقدسًا لا يتم معرفته بالتحديد دائمًا؛ فأحيانًا لا تقوم القداسة على شيء سوى الانفصال (لاويين 25: 10؛ 27: 14؛ يشوع 7: 13؛ 20: 7؛ قضاة ١٧: ٣؛ 1 صموئيل 7: 1؛ ٢ صموئيل ٨: ١١؛ 1 أخبار الأيام 18: 11؛ إلخ). إلا أن القداسة ليست مجرد تمييز شيء بوضعه جانبًا أو فصله عن الباقين؛ فمن خلال الغسل، والمسحة، والذبيحة، ورش الدم (إلخ)، يُجرَّد شيء ما من الطابع المشترك بينه وبين الأشياء الأخرى، ويظهر عليه طابع آخر، طابع فريد من نوعه، يجب عليه أن يحمله ويظهره في كل مكان.
إن الصفتين “مقدس” و”نقي” مترادفتان (خروج 30: 35؛ لاويين 16: 19). لكنَّ “القداسة” لا تعني فقط “الطهارة الأدبية”. صحيح أن المعنى الأخير ليس مستبعدًا، ولكنه ليس المعنى الوحيد، ولا حتى المعنى الأساسي. القداسة في العهد القديم، وخاصة في التوراة، لها معنى أوسع بكثير. إن التمييز بين النقاء الخارجي والداخلي تم تحديده من موقف لاحق وفرض في شريعة موسى. المُقدَّس هو ذلك الذي تم اختياره وتمييزه من قِبَل يهوه. وبعد تجريده من الطابع المشترك الذي بينه وبين كل من على شاكلته، بطقوس خاصة، اكتسب طابعًا خاصًا به، ويعيش الآن في هذا الوضع الجديد وفقًا للقوانين المقررة له. إن إسرائيل شعب مقدس، لأن الله قد اختاره وميَّزه، وقد أُدرج في عهد ويجب الآن أن يعيش في طاعة لجميع قوانينه، بما في ذلك الشرائع الطقسية. المقدس هو الذي في كل شيء يتوافق مع القوانين الخاصة التي وضعها الله له. القداسة هي الكمال، ليس فقط بالمعنى الأخلاقي، ولكن بالمعنى الشامل الذي تصوره التشريعات الفريدة لإسرائيل: بمعنى ديني، وأخلاقي، وطقسي، وداخلي وخارجي.
لكن مفهوم القداسة هذا لا يصبح واضحًا تمامًا إلا عندما نفحصه في ضوء كلمة الله. وقد أشار كريمر على نحو صحيح إلى أن القداسة لا تدل في المقام الأول على علاقة من هو أدنى مع من هو أعلى، ولكن العكس هو الصحيح؛ فهي تنطبق قبل كل شيء على الله، ومن ثم، على المخلوقات أيضًا. فالمخلوقات ليست مقدسة بطبيعتها، ولا يمكنها أن تقدس ذاتها. كل التقديس وكل القداسة تأتي من الله. ولأن يهوه مقدس، فهو يريد لنفسه شعبًا مقدسًا، وكهنوتًا مقدسًا، ومسكنًا مقدسًا (خروج ١٩: ٦؛ 29: 43؛ لاويين ١١: ٤٤-٤٥؛ 19: 2؛ 20: 26؛ 21: 8؛ تثنية 28: 9-10).
غالبًا ما يُنسب الاسم “قدوس” إلى يهوه (لاويين ١١: ٤٤-٤٥؛ 19: 2؛ 20: 26؛ 21: 8؛ يشوع 24: 19؛ 1 صموئيل 2: 2؛ 6: 20؛ مزمور ٢٢: ٣؛ 99: 5، 9؛ إشعياء ٥: ١٦؛ 6: 3؛ إلخ). وكثيرًا ما يتحدث إشعياء عن “قدوس إسرائيل” (29: 23؛ 40: 25؛ 43: 15؛ 49: 7؛ 62: 12؛ راجع 2 ملوك 19: 22؛ حزقيال 39: 7؛ حبقوق 1: 12؛ 3: 3). وبالإضافة إلى ذلك، نقرأ أيضًا عن اسم الله القدوس (لاويين ٢٠: ٣؛ 22: 32؛ 1 أخبار الأيام 16: 35؛ مزمور ٩٩: ٣؛ 103: 1؛ 111: 9؛ إلخ)، وذراع قدسه (إشعياء 52: 10)، وعظمته (2 أخبار الأيام 20: 21).
الآن، في المقام الأول، لا يُسمى يهوه مقدسًا بسبب سمة معينة، لكنه يدعى بالأحرى مقدسًا بالكامل في ما يتعلق بكل إعلان يبهر البشر بألوهيته. هو الله وليس إنسانًا، القدوس في وسطهم (هوشع 11: 9)، إله أو قدوس إسرائيل. قداسة الله تظهر في جميع العلاقات التي أقامها بينه وبين شعبه: في الاختيار، في العهد، في الإعلان، في سكناه بينهم، وهكذا (خروج 29: 43-46؛ لاويين ١١: ٤٤-٤٥؛ 20: 26؛ مزمور 114: 1-2). ومع ذلك، فإن هذه العلاقة بعيدة عن كونها مجردة، إنها غنية بالمحتوى. الله نفسه أمر بهذه العلاقة في القوانين التي أعطاها لإسرائيل. إن مجمل التشريعات الإسرائيلية مختومة أساسًا بقداسة الله وهدفها هو تقديس الشعب. ما يهدف إليه هذا التقديس الذي وضعه “يهوه” يصبح واضحًا في كل الشريعة، والشعب يكون مقدسًا عند تطبيقه إياها. وكقدوس، بذل نفسه لإسرائيل وسكن بين شعبه، ولكنه يبقى الآن أمينًا لكلمته وعهده (مزمور ٨٩: ٣٥)، ويخلّص إسرائيل مرارًا وتكرارًا. فالله هو قدوس إسرائيل، إله إسرائيل، الذي تظهره شريعته. بالنسبة إلى إسرائيل، قداسة الله تعني الخلاص (مزمور ٢٢: ٣-٤؛ 89: 18؛ 98: 1؛ 103: 1؛ 105: 3؛ 145: 21)، والاستجابة للصلاة (مزمور 3: 4؛ 20: 6؛ 28: 2)، والتعزية (إشعياء ٥: ١٦؛ حبقوق 1: 12)، والثقة (مزمور 22: 3-5؛ 33: 21؛ إشعياء 10: 20). قداسته لا تسمح له بأن يدع إسرائيل يهلك. وكقدوس، فهو الخالق، الفادي، ملك إسرائيل (إشعياء 43: 14-15؛ 49: 7؛ 54: 5؛ 62: 12). ولذلك فإن الشعب الذي فداه يسبحه ويشكره بصفته قدوس (مزمور 30: 4؛ 71: 22؛ 97: 12؛ 1 أخبار الأيام 16: 10، 35).
وفي الوقت نفسه، فإن قداسة الله هذه هي أساس العقاب والتأديب. فعندما يخالف الإسرائيليون العهد، ويدنّسون اسم الله، وينتهكون شرائعه، تكون قداسة الله هي التي تدفعه إلى العقاب. قداسته تتطلب من إسرائيل أن يكون قدوس (لاويين ١١: ٤٤-٤٥؛ 19: 2؛ 20: 7، 26؛ 21: 8). في حالة العصيان يعاقب الله إسرائيل (١ ملوك ٩: ٣-٧؛ 2 أخبار الأيام 7: 16-20). فالقداسة نفسها، التي هي مبدأ الخلاص وموضوع التسبيح، هي بالنسبة لمن ينتهكها، مبدأ الهلاك وموضوع الخوف. و”قدوس” في الحالة الأخيرة مرادف لكلمة “غيور” (يشوع ٢٤: ١٩)؛ “مهوب” و”مخوف” (خروج ١٥: ١١؛ مزمور ٩٩: ٣؛ ١١١: ٩)؛ “مجيد” و”متشامخ” (إشعياء ٦: ٣؛ 57: 15). وهو القدوس الذي لا يقارن مع غيره (خروج ١٥: ١١؛ 1 صموئيل 2: 2، إشعياء 40: 25). أن نقدس الله يعني أن نخافه (إشعياء ٨: ١٣؛ 29: 23). عندما يدنس الناس اسم الله وعهده، يقدِّس هو نفسه بالعدل والبر (إشعياء ٥: ١٦؛ حزقيال 28: 22). لكنه حتى ذلك الحين لا ينسى شعبه. بالنسبة لبني إسرائيل تبقى قداسته سبب فدائهم (إشعياء ٦: ١٣؛ 10: 20؛ 27: 13؛ 29: 23-24؛ 43: 15؛ 49: 7؛ 52: 10؛ إرميا ٥١: ٥؛ هوشع 11: 8-9). وفي النهاية ستبرّئ هذه القداسة نفسها بأن يعلن بين الأمم بأنه الرب (إرميا ٥٠: ٢٩؛ حزقيال 36: 23؛ 39: 7)، وسيفدي إسرائيل ويطهرها من جميع آثامها (حزقيال 36: 25؛ 39: 7).
وجهة النظر هذه إلى قداسة الله تقودنا مباشرة إلى معنى القداسة في العهد الجديد. إن الكلمة اليونانية المستخدمة شديدة الخطورة. الكلمة اليونانية Σεμνος، المأخوذة من الكلمة σεβομαι، تشير إلى ما هو جليل (فيلبي 4 :8؛ ١ تيموثاوس ٣: ٨، ١١؛ تيطس 2: 2)؛ والكلمة ἱερος تعبر فقط عن العلاقة مع المقدسات (1 كورنثوس 9: 13؛ ٢ تيموثاوس ٣: ١٥؛ راجع عبرانيين 8، 2؛ 9: 8؛ وما إلى ذلك)؛ والكلمة ἁγνος تعني النقي والعفيف (2 كورنثوس 11: 2؛ تيطس ٢: ٥؛ إلخ). لكنَّ هذه الكلمات لا تُستعمل أبدًا عند الإشارة إلى الله. في العهد الجديد، يسمى الله فقط بـ ὁσιος (رؤيا 15: 4؛ 16: 5؛ راجع التكوين 7:26)، ولا سيما ἁγιος (لوقا 1: 49؛ يوحنا ١٧: ١١؛ ١ يوحنا ٢: ٢٠؛ 1 بطرس 1: 15-16؛ رؤيا 4: 8؛ 6: 10). في العهد القديم، قداسة الله لم يتم تمييزها بوضوح عن الصفات الإلهية الأخرى، ولا تزال تشير إلى العلاقة التي بين يهوه مع إسرائيل وإسرائيل مع يهوه. لهذا السبب كان يمكن أن يُدعى يهوِه قدوس إسرائيل، الذي بذل نفسه كليًا لإسرائيل، وبطرق مختلفة حافظ عليها كملكية خاصة له. ولهذا السبب أيضًا، فإن قداسة الشعب ليست ذات طابع ديني وأخلاقي فحسب، بل أيضًا طقسية ومدنية وسياسية. وكما أن قداسة الله لم تكن معرَّفة بمعزل عن صفاته الأخرى ، كذلك في إسرائيل، فإن القداسة تشمل الشعب بأسره في كل النواحي.
ولكن في العهد الجديد، عندما يظهر قدوس الله (مرقس 1: 24؛ لوقا ٤: ٣٤؛ أعمال ٣: ١٤؛ يوحنا 4، 27)، الذي يُشكِّل التناقض الأكثر وضوحًا مع العالم (يوحنا 15: 18)، ويكرّس نفسه بالكامل لله (يوحنا 17، 19)، لا تعد قداسة الله مبدأ العقاب والدينونة. والروح القدس (الذي نادرًا ما يدعى هكذا في العهد القديم) (مزمور 51: 11؛ إشعياء 63: 10-11)، يصبح هو مبدأ تقديس الكنيسة. ومن الآن فصاعدًا، تصبح الكنيسة هي “الأمة المقدسة” (١ بطرس ٢: ٥، ٩؛ أفسس ٢: 19؛ 5: 27) التي تتألف من المختارين والمقدسين الذين بلا لوم (أفسس 1: 1، 4؛ كولوسي 1: 2، 22؛ 3: 12؛ 1 كورنثوس 7: 14)، كل من حُرّر تمامًا وطُهّر من الخطيئة وكُرّس لله إلى الأبد بالروح والجسد. القداسة، التي من خلالها وضع يهوه نفسه في علاقة خاصة مع إسرائيل، والتي دعت إسرائيل بالكامل لخدمة يهوه، تجلت أخيرًا بشكل كبير في أن المسيح الله يبذل نفسه عن الكنيسة، التي خلصها وطهرها من جميع آثامها.