العناية وترتيب الأحداث – ق. بخيت متى
“وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ ٱللهَ، ٱلَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ” (رو 8: 28).
لكي نعرف معنى هذا الوعد العظيم يجب أن نفهم القرينة الذي جاء فيها. خاصة وأن النص يبدأ بحرف “و”، الذي يربط الوعد بما سبق قبله. وبهذا، يكون عدم علمنا بما نصلى لأجله كما ينبغي، تعوضه شفاعة الروح بترجمة أنّاتنا إلى صلاة حسب مشيئة الله. لا نعلم ما نصلى لأجله، لكننا نعلم أن ما يسبب الأنين ستتعامل معه عناية الله فتجعل “كل الأشياء” التي سببت الأنين، والتي لا يظهر قط أنها للخير، هذه وغيرها، “معًا” تأول إلى الخير. والخير هنا هو “حرية مجد أولاد الله” (ع 22) وهذه النتيجة تعمل نحوها كل الأشياء، حُلْوها ومُرَّها، ما نراه شرًا، مسببًا للأنين، وما سيُضاف من أحداث أخرى لتعمل كل هذه “معًا” للخير.
في ما حدث ليوسف مثال لهذا. ميَّز يعقوب يوسف عن إخوته، فكرهوه. حلم يوسف أحلامًا، فحسده إخوته. أرسل يعقوب يوسف ليتفقد سلامة إخوته، فدبروا له المكايد. فكرة القتل، وبدلًا منها البئر، ثم بيعه عبدًا، هل هذا ما يستحقه منهم يوسف؟ انتظر ستعمل الأحدث معًا. نجح يوسف كعبد وصار وكيل فوطيفار (هذا جيد)، لكنه انتهى بتهمة باطلة تسببت في سجنه. وهناك، نجح وصار رئيس المساجين، على أن هذه نقضه “رئيس الشرط” (فوطيفار) بأن جعل يوسف عبدًا للعبيد (تك 40: 4). وحلم المسجونان أحلامًا فسرها لهم يوسف، وتمت. ولكن نسيَ رئيس الخبازين يوسف لمدة سنتين. كل فقرة في هذه القصة الطويلة قصة بذاتها، يمكن أن يُحكم فيها هل هي للخير أم للشر؟ لكن انتظر حتى تكمل المجموعة، لأنها “معًا” تعمل للخير. إن عناية الله تجمع “الأشياء” لكي تعمل معًا للخير (تك 50: 20) وهذه هي المحصلة النهائية.
لكن لمن تعمل “كل الأشياء” معًا “للخير”؟ يقصد هذا الأمر على من يصفهم بوصفين هما: (1) الذين يحبون الله، (2) الذين هم مدعوون حسب قصده.
“لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ ٱللهَ”. هنا مصدر للمحبة غير ما جاء في ع 39، فالأخير محبة الله لنا، التي لا يضعها أنين، أما هذه فهي محبتنا نحن لله. وهذا وصف لذات الأشخاص الذين من أجلهم تعمل عناية الله في جعل كل الأشياء تعمل معًا للخير؛ “يحبون الله”، الذي يسيّر الأمور والأحداث لأجل خيرهم، سواء علموا ما هو الخير أم سيفهمونه فيما بعد. يحبون الله لأنه جعلهم هكذا بإعطائهم مكانة الأبناء، وطبيعة الأبناء.
“الذين هم مدعوون حسب قصده”. فما هو قصده الذي دعاهم له؟ إذ قصد أن يكونوا إخوة “للبكر”، مشابهين صورته. دعاهم دعوته الفعالة إلى خلاصه ومجده، إلى بركات روحية (الخير)، وإلى نجاة من الأنين في وقته، عندما تتجمع كل الخيوط “معًا”، وتكون المحصلة النهائية “للخير”؛ وهو قصد الله من كل ما يحدث لنا، ما يبهجنا وما يحزننا “معًا”. تعمل كل الأشياء نحو نوال ما أراده الله لنا، من نصيب في دنيا الأنين، وفى مستقبل المجد.
لهذا لا نتعجل. لننتظر حتى تكتمل مجموعة الأشياء وتعمل كلها “معًا” للخير لنا.