رجاءُ إسرائيل – القس فيكتور عطا الله
الاحتفالُ بميلادِ المسيح مُنتشرٌ في كافةِ أرجاء العالم. عيدُ الميلاد يُعتبرُ أحدَ أهم الأعياد السنوية في معظمِ بلدان العالم. الاحتفالاتُ تصحبها زيناتٌ فخمةٌ ونزعةٌ قويةٌ للتسوق وعقد احتفالات وموائد وتبادل الهدايا. ومع ذلك فإنه لا توجدُ أيُّ إشارةٌ في العهد الجديد بأي المؤسستيْن اليهوديتيْن، دينيةً ومدنية، وحتى بين سكان بيت لحم أن هناك أيَّ اهتمامٍ بهويةِ الطفل المولود بشكلٍ مُتَّضِعٍ وموضوعٍ في مزودِ حيوانات. باستثناءِ مريم وخطيبها يوسف اللذين كانا غريبينِ في المدينة، فقط مجموعةٌ بسيطةٌ من الرعاة في حقلٍ قريبٍ من بيت لحم وعددٍ من حكماء المشرق الأجانب تَعَرَّفوا على واقعةِ ميلادِ يسوع عن طريقِ تدخُّلٍ إلهيٍّ خارقٍ. هؤلاءِ قاموا بزيارةِ الأسرةِ في حظيرة الحيوانات واحتفلوا مع مريم ويوسف بميلاد المسيَّا السماوي.
بالنسبةِ للرعاةِ المُتَّضعين البسطاء فإن رسالةَ الملاكِ لهم كانت:
“لَا تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱلرَّبُّ“. (لوقا 2: 10، 11)
أما الحاكمُ الشريرُ هيرودس فإنهُ ارتعبَ عند سماعِ خبرِ ميلادِ ملك اليهود من حكماء المشرق الذين اتَّبعوا نجمَ الميلاد الذي ظهرَ لهم في بلادِ الفُرس وتَقَدَّمَهُم غربًا حتى وصلوا إلى مدينة القدس.
“فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ ٱلشَّعْبِ، وَسَأَلَهُمْ: «أَيْنَ يُولَدُ ٱلْمَسِيحُ؟». فَقَالُوا لَهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ ٱلْيَهُودِيَّةِ»“. (متى 2: 4، 5)
هكذا اقتبسوا النصَّ الذي عرفوه من الفصل الخامس من نبوةِ ميخا. مع أنهم كانوا على علمٍ بذلك المضمون النبوي لم يُبدوا أيَّ اهتمامٍ بخبرِ ميلادِ يسوع. أما لهيرودس فإن الأمرَ تطلَّبَ قرارًا مستعجلًا بإعدامِ جميعِ أطفال بيت لحم الصغار.
بعد أسبوعٍ من ميلادِ الطفل جاء وقتُ إعطاءِهِ الاسمَ الذي عَيَّنَهُ الملاك، أي يسوع. في نفس الوقت الذي تمت فيه عمليةُ خِتانِهِ كما تطلبت نصوصُ العهدِ القديم. بعد ذلكَ جاء وقتُ تكريسِهِ في الهيكل كابن مريم الذكر البِكر. في هذه القرينةِ بالذات يَطُلُ علينا الإنجيلُ للقاءِ رجلٍ عجوزٍ في أورشليم اسمه سمعان. وُصِفَ في الفصل الثاني من بشارةِ لوقا على أنه بارٌ وتقيّ. ويُسجلُ الوحي المبارك في كتاب التكوين التوراتي نفسَ الوصف عن رجليّ الله نوح (تكوين 7: 1) وإبراهيم (تكوين 17: 1). شهادةُ البشرِ عن سمعان كانت أنه شخصٌ تقي، أي أنه صادقٌ في عبادةِ الرب وفي خدمتِهِ ومحبتِهِ للآخرين. وهو كرجلٍ بارٍّ وتقي يواصلُ الإنجيل الحديثَ عنه بالقول أنه:
“يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ، وَٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ كَانَ عَلَيْهِ. وَكَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ أَنَّهُ لَا يَرَى ٱلْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ ٱلرَّبِّ“. (لوقا 2: 25، 26)
إذن، كان سمعان ينتظرُ تعزيةَ إسرائيل والروحُ القدسُ كان عليه. ماذا عنى ذلك؟ ما تبقى من سجل هذه الواقعة يُجيبُ عن سؤالنا. لكن سمعان لم يكن حضورُهُ في الهيكل في ذلك الوقت بمحض الصدفةِ. هنا نُلاحظُ من جديد الإشارة للروح القدس فنقرأ:
“فَأَتَى بِٱلرُّوحِ إِلَى ٱلْهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِٱلصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ، لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ ٱلنَّامُوسِ، أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ ٱللهَ وَقَالَ: «ٱلْآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلَامٍ، لِأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلَاصَكَ، ٱلَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلَانٍ لِلْأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ»“. (لوقا 2: 27- 32)
واضحٌ أن سمعان تَعَرَّفَ على يسوع بتوجيهٍ من الروح القدس فأدركَ أنهُ المسيَّا الموعود لتعزيةِ وتطمينِ إسرائيل بأن الوعودَ الإلهيةَ قد تمت. تعزيةُ إسرائيل التي حققها يسوع تطلبت تحضيراتٍ إلهيةٍ شملت جميع الشعوب. سمعان اطمئنَ شخصيًّا أن المُخَلِّصَ الإلهي الموعود قد حضرَ إلى عالمِنا بالفعل. فهو رأى يسوع كعمانوئيل:
“نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ“. (لوقا 2: 32)
قدومُ المسيَّا انتظره اليهود عبر مئات السنين. لكنهم افترضوا خطأً أنه ملكٌ أرضي وبأنهُ سَيُحررُهُم من تسيد الرومان عليهم ويستردُّ لهم الأمةَ أو المملكةَ الأرضية. ذلك كان بالنسبةِ لهم هو الخلاص الذي توقعوه من الرب عبر المسيَّا الموعود. ذلك بالطبع لم يكن المضمون الحقيقي للمخططِ الإلهي في التاريخ. الروحُ القدس الذي أوحى بسجلات العهد القديم هو نفسُهُ الذي وَجَّهَ سمعان البار التقي ومَكَّنَهُ من أن يفهمَ البُعد الحقيقي للعهدِ الإلهي مع إبراهيم ونسلِهِ الموعود، يسوع المسيح، المسيَّا المبارك. التعزيةُ الحقيقيةُ والرجاءُ والعزاءُ لشعبِ الربِ المدعو إسرائيل كان قادمًا للعالم كنور العالم ليؤسسَ بنفسِهِ وفي نفسِهِ الخلاصَ لكافةِ المؤمنين يهودًا كانوا أم أممًا. هذا هو المضمونُ الحقيقي للاحتفالِ بعيدِ الميلاد. إنهُ الاحتفالُ ببركاتِ الربَ السخيّة، بركاتُ السلامِ والعزاءِ والرجاءِ والمسرة لكافةِ شعوب الأرض.
تمامًا كما كان الأمرُ بالنسبةِ للرعاةِ البسطاء ولحكماء المشرق، تمتع سمعان بالبركةِ واحتفلَ بأصالةٍ بقدومِ يسوع وقد غَمَرَهُ الفرحُ السماوي. إنها بالفعل رسالةُ رجاءٍ سماوية. تلك الرسالةُ سمعها وتمتع بها كلٌّ من مريم ويوسف والرعاة وحكماء المشرق وقد سُجِّلت لمنفعتنا ومسرتنا في الإنجيل بل لكلِّ البشرِ في كافةِ أرجاء العالم. ملاكُ الربِّ أتى بالأنباءِ السارةِ للرعاة قائلًا:
“لَا تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ … وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ ٱلْمَلَاكِ جُمْهُورٌ مِنَ ٱلْجُنْدِ ٱلسَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ ٱللهَ وَقَائِلِينَ: «ٱلْمَجْدُ لِلهِ فِي ٱلْأَعَالِي، وَعَلَى ٱلْأَرْضِ ٱلسَّلَامُ، وَبِالنَّاسِ ٱلْمَسَرَّةُ»“. (لوقا 2: 10، 13، 14)