البَشَرِيَّةُ الجَديدَةُ

البَشَرِيَّةُ الجَديدَةُ

(أفَسُس ٤: ١٧-٢٤)

في الكِتابِ المُقَدَّسِ، الكَنيسَةُ المَسيحِيَّةُ الأمينَةُ، أيُّهَا الأصدِقاء، يَتَحَقَّقُ وجودُها في التَارِيخِ البَشَرِي ضِمنَ مُخَطَّطٍ إلَهِيٌ. فهيَ لَيسَت فِكرَةً أو دينًا، كَمَا أنَّهَا تَختَلِفُ عَن كَافَةِ الكَيانَاتِ والتَجَمُّعاتِ البِشَرِيَّةِ الأُخرَى.

قُصِدَ لِلكَنيسَةِ الحَقيقِيَّةُ أن تَشمَلَ جماعةَ الإيمان التي تنتسِبُ لكَافَةِ القَبائِلِ والأعراقِ والطَبقاتِ والأجناسِ البَشَرِيَّةِ، تَنتمي كُلُهَا لجَسَدٍ روحَانيٍ واحِدٍ يَنتَمي لِلمَسيحِ الفَادي، آدَمِ الجَديد. الجِنسُ الآدَميُ الجَديدُ، التَابِعُ لِآدَمِ الجَديدِ، هوَ البَشَريَّةُ الجَديدَةُ. هَذَا الجَسَدُ الروحَاني قُدِّسَ وفُصِلَ عن بَاقي البَشَريَّةِ السَاقِطَةِ الرَافِضَةِ لِنِعمَةِ الخَلاصِ الإلَهي. البَشَرِيَّةُ كُلُهَا تَنحَدِرُ مِن أبٍ واحِدٍ سَقَطَ في العِصيانِ والتَمَرُّدِ عَلَى خالِقِهِ المُنعِمِ المُبارَك. كُلُ مَن يُفتَدونَ مَنْ هَذَا الخَطِ البَشَري السَاقِطِ يَحصُلونَ عَلَى هَويَةٍ روحِيَّةٍ جَديدَة. نَقرأُ في الفَصلِ الرَابِعِ مِن رِسالَةِ الرَسول بولُس لِلمؤمِنينَ في مَدينَةِ أفَسُس القَدِيمَة: “فَأَقُولُ هذَا وَأَشْهَدُ فِي الرَّبِّ: أَنْ لاَ تَسْلُكُوا فِي مَا بَعْدُ كَمَا يَسْلُكُ سَائِرُ الأُمَمِ أَيْضًا بِبُطْلِ ذِهْنِهِمْ، إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ. اَلَّذِينَ ­ إِذْ هُمْ قَدْ فَقَدُوا الْحِسَّ­ أَسْلَمُوا نُفُوسَهُمْ لِلدَّعَارَةِ لِيَعْمَلُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ فِي الطَّمَعِ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَمْ تَتَعَلَّمُوا الْمَسِيحَ هكَذَا، إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمُوهُ وَعُلِّمْتُمْ فِيهِ كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ، أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ”. (أفَسُس ٤: ١٧-٢٤)

أعضَاءُ البَشَرِيَّةِ الجَديدَةِ، أيُّهَا الأعِزاء، يَتَمتَّعونَ بِحَياةٍ جَديدَةٍ في يَسوعِ المُخَلِّص. أقامَهُم يَسوع مِن مَوتِهِم في ذنوبِهِم وخَطايَاهِم. وهُم يَنتَمونَ لَهُ كآدَم الجَديد الَّذي يُعيدُ خَلقَهُم وصِياغَتَهُم، مُنقِذَاً إياهُم مِن الضَلالِ والجَهلِ والظُلمَةِ والعَداءِ لِلإلَهِ الحَي المُبارَكِ. في المَسيحِ يَتَمَتَّعونَ بِذِهنٍ وقَلبٍ جَديدَين. مَفاهِيمُهُم تُصاغُ مِن جَديد، مُرتَكِزَةً عَلَى مَسيحِهِم المُحِب. دَعوَتُهُم هي لِمَلكوتٍ نِظامُهُ يَتَناقَضُ تَمامًا مَعَ نِظامِ العَالَمِ السَاقِطِ الَّذي تُديرُهُ الرَغَباتُ الأنانِيَّةُ والشَهَواتُ الفَاسِدَةُ المُفسِدَةُ. كَتَبَ الرَسولُ لجماعةِ الإيمانِ قائِلاً: “وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَمْ تَتَعَلَّمُوا الْمَسِيحَ هكَذَا، إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمُوهُ وَعُلِّمْتُمْ فِيهِ كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ، أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ”. (أفَسُس ٤: ٢٠-٢٤).

وجودُ الكَنيسَةِ المَسيحِيَّةِ، أيُّهَا الأصدِقاء، يَرتَبِطُ ويَلتَحِمُ كُلِيّاً بِمَسيحِهَا وسَيدِهَا. أتباعُ المَسيح هُم تَلاميذٌ في مَدرَسَةِ مَن هوَ حَقٌّ، يَتَمَرَّسونَ فيهَا عَلَى الحَياةِ السَمَاوِيَّةِ الجَديدَةِ المَوهوبَةِ لَهُم. إذَن هُم مَن قَد سَمِعوا وعُلِّموا ما هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ، فَهوَ “الطَريقُ والحَقُّ والحَياة” لِكُلِّ مَن يَنتَمونَ لَهُ ويَتبَعونَهُ. هوَ مُعَلِّمُهُم وسَيِّدُهُم، تَصِلُهُم إرشاداتِه وتعليماتهِ ويسمعون صوتَهُ في كَلِمَتِهِ المُبارَكَةِ ويَتبَعونَهُ في الحَياةِ الجَديدَةِ. كمَسيحِهِم، الله القُدوس، يُحَرِرُهُم مِن عُبودَيَّتِهِم السابِقَةِ لِحياةِ الشَرِّ الَّتي كَبَّلَهُم بِهَا إبليس، عَدوُ الخيرِ، نعم يُضِيءُ لَهُم يسوعُ الطَريقَ بِنورِ قَدَاسَتِهِ الباهِر. إذَن، الهَوِيَّةُ المَسيحِيَّةُ الأصيلَةُ تَلصِقُ أتباعَه بهِ، فهو أنقَذَهُم واستَبدَلَ هَويَتَهُم السَاقِطَةَ المَوروثَةَ الَّتي أصابَت كُلَّ الجِنس البَشَرِي. أتباعُ يَسوع يَخلَعونَ هَوِيَّةَ وسُلوكَ الإنسانِ السَابِقِ الفَاسِدِ المَخدوعْ.

لَيسَ مِن الجَائِزَ، أيُّهَا الأعِزاء، التَسَتُّرَ عَلَى ثَوبٍ قَديمٍ مُهَلهَلٍ وإخفائِهِ بِوَضعِ ثَوبٍ جَديدٍ نَقِيٍّ فَوقَهُ. لا يُمكِنُ المَزجُ بَينَ ما هوَ قَديم فاسِدٌ ومهترئ وما هوَ جَديدٌ مَقَدَّس، فَالقَديمُ مِن شَأنِهِ أن يُفسِدَ الجَديدَ ويُحَرِمَهُ مِن جَوهَرِهِ النَقي. الحَياةُ الجَديدَةُ الطَاهِرَةُ النَقِيَةُ في المَسيحِ لا يُمكِنُ لَهَا أن تَتَعايَشَ مَعَ الحَياةِ السَاقِطَةِ الفاسِدَةِ الَّتي نَرِثُهَا مِن أبينَا الأوَل آدَم. الحَياةُ الجَديدَةُ تَطغَى بِنُصرَةِ المَسيح، آدَم الجَديد، عَلَى حَياةِ الفَسادِ الَّتي نَرِثُهُا مِن آدَم القَديم. المؤمِنونَ الأُمَنَاء يَحصُلونَ مِن مَسيحِهِم على هَوِيَّةُ الانتماء له، يُدعونَ باسمه القُدوسِ المُبارَكِ، وهُم يَخلَعونَ سُلوكَ الإنسانِ السَابِقِ العَتيقِ الفَاسِدِ، وتَتَجَدَّدُ أذهانُهُم بِروحِ المَسيح. “إذ يَلبِسونَ الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ”. (أفَسُس ٤: ٢٤)

هَوِيَّةُ المَسيحي الحَقيقِي، أيُهَا الأعِزاء، لَيسَت هَوِيَةً اسمِيَّةً، كَما هوَ لِلأسَف، وارِدٌ في عَالَمِنَا السَاقِطِ بين جموعِ مَنْ يُدعونَ باسم المسيحِ. الهَوِيَّةُ المَسيحِيَّةُ الصَادِقَةُ لَيسَت مُجَرَّدَ اسم، بَل هيَ تُعَبِّرُ عَن “الإنسانِ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ”، في المسيح.

مَن يَنتَمونَ لِلمَسيحِ يُصَاغونَ عَلَى صورَتِهِ ويُصبِحونَ جِنساً آدَمِيًا جَديداً. المَسيحُ هوَ رأسُهُم. تَكاثُرُهم، ونموُهُم، بَل وجودُهُم وتَمَتُّعُهُم بِالحَياةِ الجَديدَةِ لا يُمكِنُ إلَّا بِتَواصُلِهِم الدَائِمِ مَعَ مَسيحِهِم، فَهوَ الَّذي يُوَفِّرُ لَهُم غِذَائَهُم الروحِي ويَقودُهُم ويُوَجِهَّهُم ويَدفَعُ الأخطارَ عَنهُم.

البَشَرِيَّةُ الجَديدَةُ، أيُّهَا الأعِزاء، يُطعِمُهَا ويَقودُهَا ويَحفَظُهَا آدَمُ الجَديدُ، “نورُ العَالَمِ”، الَّذي يَتَحَدَّى ويُحَطِّمُ مَلَكوتَ الظُلمَةِ. كُلُّ مَن يَحصِلونَ عَلَى الحَياةِ الجَديدَةِ يَعكِسونَ نورَهُ ومَحَبَتَهُ الوَاهِبَةَ لِلنَفسِ. هَذَا هوَ عَمَلُ مَسيحِهِم الَّذي يَغرِسُ فِيهِم ذِهنًا مُختَلِفًا، ومَشَاعِرَ مُختَلِفَة، وأولَوياتٍ سَماوِيَةٍ سامِيَةٍ. كُلَّمَا تَعَمَقَت عَلاقَتُنَا بِمُخَلِّصِنا المَسيح، كُلَّما انعَكَسَت في أذهانِنا وانبَعَثَت مِن قلوبِنا قَداسَتَهُ ومَحَبَّتَهُ المُنقَطِعَةُ النَظير.

لَهُ كُلُّ المَجد!