وِحدَةُ المؤمِنينَ
تَعودُ تَسمِيَةُ المؤمِنينَ بِأنَّهُم مَسيحِييِّن لانتمائهم لِمَسيحِهِم. فَالمَسيحُ هوَ الَّذي يَهَبَهُم هَويَتَهُم. دُعِيَّت جَمَاعَةُ الإيمانِ مَسِيحيِيِّن لِأوَلِ مَرَةٍ بَعدَ تَأسيسِ الكَنيسَةِ المَسيحِيَّةِ في مَدينَةِ أنطاكِيَة القَديمَةِ. ذَلِكَ مَيَّزَهُم مَعَ جَميعِ المؤمِنين، يَهوداً كَانوا أم غَيرَ يَهود، عَن أولَئِكَ اليَهود والمُتَهَوِدين الَّذِينَ رَفَضوا الإيمانَ بِيَسوع كَالمَسِيَّا الإلَهِي المَوعود.
التَعليمُ الرَسولِي، أيُّهَا الأعِزاء، يُؤَكِدُ أنَّ المَسيحَ هوَ رَأسُ جَمَاعَةِ الإيمانِ الَّتي هيَ الكَنيسَةُ المَسِيحِيَّةُ الأَمينةُ على ولاِئها لمسيحهِا ولوصاياه. عَلَمَ الرُسُلُ أنَ الكَنيسَةَ المسيحيةَ تَتَكَوَنُ مِن أولَئِكَ الَّذِينَ يَجمَعُهُم الروحُ القُدُّس ويُحققَ لهم فِداءَ المَسيحِ، وذلكَ بَعدَ تَعَرُّفِهِم عَلَى رِسالَتِهِ الخَلاصِيَّةِ. هُم أولَئِكَ الَّذِينَ افتداهم يَسوعُ بدَمِهِ الغَالِي الثَمين، وهَكَذا يَتَمَتَّعونَ بِهَوِيَتِهِ ويُدعَونَ مَسِحِييِّن. هوَ سَيِدُهُم ورأسُهُم وهُم جَسَدُهُ المُطَهَّرُ المُبارَكُ. هُم جَسَدٌ واحِدٌ يَتَمَتَّعونَ بِقِيادَةِ وتَوجِيهِ ومُبارَكَةِ المَسيحِ رأسِهِم.
لَكِنَّ الكَنيسَةَ المَسِيحِيَّةِ تَتَعَرَّضُ لانقسامات تُسَبِّبُها طَبيعَةُ بَشَرِيَتِنا الَّتي نَرِثُهَا مِن أبِينَا الأوَل آدَمَ المُتَمَرِّدِ الساقِط. كَانَ الرَسولُ بُولُس عَلَى وَعيٍّ بِذَلِك وهوَ يَكتُبُ مِن سِجنِهِ لِجَمَاعَةِ الإِيمانِ في مَديِنَةِ أفَسُس القُدِيمةِ. في الفَصلِ الرَابِعِ مِن رِسالَتِهِ كَتَبَ لَهُم: ” 1 فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ، أَنَا الأَسِيرَ فِي الرَّبِّ: أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ الَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا. 2 بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ، وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ. 3 مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ. 4 جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضًا فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ. 5 رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، 6 إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ.” (أفَسُس ٤: ١-٦).
كَانَ بُولُس، أيُهَا الأصدِقاء ، قَد قَضَى ثَلاثَ سَنَواتٍ كَامِلَةٍ بَينَهُم ، وهوَ يُعَلِّمُهُم ويُرشِدُهُم ويَخدُمُهُم ويَرعاهُم. وهَكَذَا كَانَ عَلَى وَعيٍّ بِأحوالِهِم وهوَ يَتَواصَلُ مَعَهُم مِن سِجنِهِ. وهوَ هُنَا يُذَكِّرُهُم بِالحَقائِقَ الرَاسِخَةَ الَّتي تُشَكِّلُ وِحدَتَهُم الروحِيَة. تِلكَ الحَقَائِقَ أعلَنَهَا يَسوعُ بِنَفسِهِ، قَبلَ أن يُوَدِعَ جَمَاعَةَ الإيمانِ ويَصعَدَ لِيَتَرَبَعَ عَلَى عَرشِهِ السَماوِيّ. أمَرَ المَسيحُ رُسُلَهُ بِنَشرِ رِسالَةِ إنجيلِهِ الخَلاصِيّ لِكُلِ الأُمَمِ قَائِلاً: ” 19 …اذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. 20 وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ. آمِينَ.” (مَتَّى ٢٨: ١٩-٢٠).
مَعَ أنَّ مَن يَتَتَلّمَذونَ لإِتِباعِ المَسِيح يَنتَمونَ لأعراقٍ بَشَرِيَّةٍ مُختَلِفَةٍ، بَينَ كُلِّ الأُمَمِ ، إلَّا أنَّهُم يُشَكِّلونَ جَسَدَهُ الواحِدَ المُبَارَك ، هُم يَتَجَمَعونَ ، مِن كَافَةِ الأُمَمِ ، ويَحصلونَ عَلَى النِعمَةِ الإلَهِيَّةِ الخَلاصِيَّةِ بِقوَةِ الروحِ القُدُّس الَّذي يُمَتِّعُهُم بِفَوائِدَ عَمَلِ المَسيح الكَفَارِي. إنجيلُ المَسيحِ، أيُّهَا الأصدِقاء ، يُمَثِّلُ لُبَّ الإيمانِ الرَسولِي كَمَا سَجَّلَهُ الوَحيُ الكَريمُ في العَهدَينِ القَديمِ والجَديدِ. وقَد كَانَ الرَبُّ يَسوع قَد قَضَى أربَعينَ يَوماً بَعدَ قيَامَتهِ مِنَ المَوتِ وقَبلَ صعودِهِ لِعَرشِهِ السَماوِي وهوَ يَفتَحُ أذهانَ رُسُلِهِ لِفَهمِ سِجِّلاتِ الوَحي المُقَدَسَة (لوقَا ٢٤: ٤٤، ٤٥). الإيمانُ الرَسولِي هوَ الأساسُ الرَاسِخُ الَّتي تُبنَى عَليه الكَنيسَةُ المَسيحِيَّةُ. التِلميذُ، الَّذي يَتَّبِعُ حَقَاً سَيِدَهُ ومُعَلِمَهُ ومُخَلِّصَهُ يَسوع، يَتَعَلَّمُ ويَحفَظُ جَميعَ ما أوصَى بِهِ، وهَذَا ما يُعَبِّرُ عَن وِحدَةِ جَمَاعَةِ الإيمانِ.
جَمَاعَةُ الإيمانِ الصَادِقَةُ توَحِدُهَا أيضَاً عَلامَةُ وخِتمُ المَعمودِيَّةِ المَسِيحِيَّةِ، الَّتي يَحصلونَ عَلَيهَا بِاِسمِ الرَبِّ الحَيّ الواحِدِ، في الثَالوثِ الأقدَسِ، الآبِ والاِبنِ والروحِ القُدُسِ. فَالمَعمودِيَّةُ المَسِيحِيَّةُ تُعَبِّرُ عَن مَحَبَّةِ الرَبِّ الأبَدِيَّةِ الواهِبَةِ لِلنَفسِ وعَن عَمَلِ الروحِ القُدُّسِ الَّذي يَهَبُ جَمَاعَةَ الإِيمانِ خَلاصَ المَسيحِ التَامِ.
قَد يَختَلِفُ المؤمِنونَ عَلَى أمورٍ غَيرَ مُهِمَةٍ مِثلَ اختيار أمكِنَةِ العِبادَةِ أو فَرشِهَا أو تَزيِيِنِهَا أو تَعيِيِنِ أفرادٍ مُعَيَنيِنَ لِلقيَّادَةِ الروحِيَةِ. هَكَذَا خِلافات قَد تُسَبِّبُ شروخَاً لِوِحدَةِ جَمَاعَةِ الإيمانِ، تَنبَعُ مِن الكِبرِياءِ أو التَسَرُّعِ في الأحكامِ، لَكِنَّهَا تَتَنَاقَضُ مَعَ روحِ المَسيحِ. يَبدأُ النَصُّ الَّذي قَرأناهُ بِدَعوَةِ مؤمِني أفَسُس لِلسلوكِ كَمَا يَحِقّ لِلدَعوَةِ الَّتي” دُعِيُّوا لَهَا بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ، وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ.”
ثُمَّ أنَّ الكَنِيسَةَ المَسِيحِيَّةَ، أيُّهَا الأعِزَاء، تَتَعَرَّضُ لِمَخَاطِرَ خَارِجيَة ، تَتَسَبَّبُ في تَهديدِ وحدَتِهِم الروحِيَةِ. يَسعَى بَعضُ الأشرارِ لإضعافِ ثِقَةِ المؤمِنينَ بِمَسِيحِهِم. أولَئِكَ يَعمَلونَ بِمَكرٍ لإبعادِ جَمَاعَةِ الإيمانِ عَن التَعليمِ المَسيحِيِّ المُستَقيمِ القَويم. كَانَ الرَسولُ بُولُس عَلَى وَعيٍّ بِذَلِكَ وقَد نَبَّهَ قَادَةَ كَنيسَةِ أفَسُس لِذَلِك في خِطابِهِ الوَدَاعي لَهُم الَّذِي سُجِّلَ في الفَصلِ العِشرين مِن كِتابِ أعمالِ الرُسُل. قَالَ لَهُم: ” 29 لأَنِّي أَعْلَمُ هذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذِهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ. 30 وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ.” (أع ٢٠: ٢٩، ٣٠).
الاهتمام الرَسولِيُّ هوَ أن يَجتَهِدَ المؤمِنونَ لِأن “يَحفَظوا وِحدَانِيَةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ.” كَانَ الرَسولُ بُولُس عَلَى صَوابٍ في تَحذِيرِهِ لِلكَنيسَةِ عَن أولَئِكَ لَّذِينَ يَسعَونَ لإبعادِ جَمَاعَةِ الإيمانِ عَن الإِتِّباعِ الصَادِقِ لِمَسيحِهِم ولِتَعالِيمِهِ السَماوِيَّةِ السَامِيَّةِ.
كَنيسَةُ المَسيحِ، أيُّهَا الأصدِقاء، هيَ جَسَدُهُ الرُوحيُّ الَّذي يُوَحِدُهُ الانتماء الصَادِقُ للمَسيحِ المُخَلِّصِ. هَكَذَا يَلتَصِقونَ بِهِ ويَتَمَتَّعونَ بِبَرَكاتِ كَلِمَتِهِ المُقَدَّسَةِ، وهَكَذا يَنمونَ في نِعمَتِهِ ويَزدادُ تَشَبُّهُهُم بِهِ في مَحَبَّتِهِ وقَدَاسَتِهِ. يَعمَلُ الروحُ القُدُّسُ بِالكِلمَةِ الطَاهِرَةِ والمُطَهِّرَةِ عَلَى إعدَادِهِم للانتقال لِمَحضَرِ عَرشِهِ السَمَاوي الجَليل. هَذَا هوَ الرَجاءُ الَّذِي بِدَورِهِ يُوَحِّدُ جَماعَةَ الإيمانِ.
هُنَا عَلَى الأرضِ تَتَوَحَّدُ الكَنيسَةُ المَسِيحيَّةُ الحَقِيقِيَّةُ في التزامها المُتَّضِعِ وطَاعَتِهَا المُتواصِلَةِ لِلحَقِّ الإلَهي وهيَ تَسعَى لامتداد مَلَكوتِ المَسيحِ وتَنمو في طاعَةِ مَشِيئَتِهِ المُقَدَّسَةِ وتُعَبِّرُ عَن مَحَبَّةِ المَسيحِ الواهِبَةِ لِلنَفسِ.
لَهُ كُلِّ المَجدِ!