هل إله العهد القديم وحش أخلاقي؟
كيف يوصي الله بعدم القتل ثم يأمر إسرائيل بإبادة الكنعانيين؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، يجب أولًا أن نفهم أكثر عن شخصية الله بوصفه الخالق. فالحياة نفسها عطية من الله وهي نعمة ووكالة وليست مِلكًا لأحد والله من حقه أن يأخذها دون حتى أن يطلب ذلك. بدون الله لا حياة فنحن به نحيا ونتحرك ونوجد (أعمال الرسل ١٧: ٢٨). والله لم يكن مجبرًا على الخلق وهو ليس مجبرًا ألا يوقف حياة أحد. فالحياة في يد الله وهو وحده من يجعل قلوبنا تخفق وأيا كان سبب موتنا فهو المتحكم تمامًا في هذا الأمر. كما قال أيوب معلقًا على موت أبنائه “الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا (أيوب ١: ٢١). الله ليس مديونًا لأحد بل أن منه وبه وله كل الأشياء (رومية ١١: ٣٦).
ومع أن الله خلق الإنسان وكل الخليقة في وضع حسن جدًا، إلا أن الإنسان بالسقوط أصبح مستحق الدينونة الإلهيَّة. وبالتالي فالوضع الطبيعي هو موتنا وليس حياتنا، فكل يوم نحياه ما هو إلا نعمة من الله لا نستحقها. إنه من إحسانات الرب أننا لم نفنَ (مراثي إرميا ٣: ٢٢). لذلك عندما سُئل المسيح عن الذين خلط بيلاطس دمائهم بذبائحهم أو الذين سقط عليهم البرج، لم يدافع عن الله ولكنه دعى المستمعين إلى التوبة. فالموت هو ما نستحق على خطايانا. تذكر كيف قرر الله أن يبيد كل شعوب الأرض وقت نوح بسبب خطاياهم (تك ٦).
أما بالنسبة لدينونة الله لشعوب كنعان بيد شعبه إسرائيل فيجب أن نفهمها في ضوء تدرج الإعلان الإلهي. فشعب إسرائيل لم يكن فقط شعب الله ولكنه كان بمثابة مملكة أو دولة مَلِكها أو حاكمها هو الله نفسه. وقت يشوع كان هناك بُعد سياسي لشعب الله لم يعد موجودًا الآن حيث إن شعب الله الآن من كل الأعراق دون أي بُعد سياسي. لذا فالله بوصفه الملك لأمة إسرائيل وقت يشوع أمر شعبه بتنفيذ دينونته على شعوب كنعان الشريرة. وفي تكوين ١٥: ١٦ نرى الله يقول لإبراهيم أن ذنب هذه الشعوب سيكتمل بعد ٤٠٠ عام وأنه سيرسل شعبه ليدينهم عند اكتمال ذنبهم. وهنا نرى دينونة الله وفي نفس الوقت إمهاله حتى على الأشرار كما فعل أيضًا وقت نوح الذي كان كارزًا بالبر ولكن رفض الناس التوبة.
الأمر الذي قد يسبب صعوبة للبعض هو عندما ينفذ الله دينونته على بشر بيد بشر آخرين. ولكننا نرى بولس الرسول في رومية ١٣: ٤ يقول إن الحكام هم خدام الله الذين يحملون السيف ليس عبثًا وإنما لتنفيذ دينونة الله على الأشرار. الله يستخدم الحكومات البشرية كخدام له لتنفيذ دينونته. ومن منا لا يفرح عندما يتم إيقاف مجرم ومعاقبته لأن شره سيتوقف ويجازى؟ ما موقفنا إذا تم تحالف دولي اليوم ضد أي تنظيم إرهابي للقضاء عليه تمامًا؟ هل سنعتبر هذا خيرًا أم شرًا؟ هل إبادتهم تعتبر أمرًا وحشيًا أم خير يتمناه الجميع؟ فالشعوب الكنعانية قد وصلت لمرحلة أن عبادتها هي ممارسة الشرور. بالإضافة إلى ذلك كان الهدف من هذه الحروب هو حماية إسرائيل من الاختلاط بهذه الشعوب الشريرة لتكون أمة مقدَّسة وطاهرة وذلك ليس فقط من أجلها ولكن لكي تكون نور للأمم (مزمور 98: 3، إشعياء 42: 6، 49: 6)، فكيف يمكن أن تكون إسرائيل نورًا للأمم وهي مختلطة بظلامهم ولا تختلف عنهم في شيء؟
كما أن إسرائيل لم تكن أداة الله في الدينونة على الكنعانيين لأنها أفضل منهم (تثنية ٩: ١-٦) بل نرى أن الله قد وضع لبني إسرائيل تحذير بنفس المصير في حال المضي في شرور الأمم التي طردها من أمامهم (تثنية ٨: ١٩- ٢٠) وهو ما حدث بالفعل (إرميا ٢٥: ٨ -١١) نتيجة شر بني إسرائيل. فالله ليس عنصريًا وإنما هو إله عادل سيجازي كل واحد حسب أعماله (رومية ٢: ٦). يجب أن نضع في الحسبان أن اختيار شعب إسرائيل واعطاءه الأرض بكل ما في هذا من تفاصيل هو جزء من قصة كبيرة جدًا هي قصة الفداء والتي محورها شخص يسوع المسيح. كان أمر الله بدمار الشعوب الكنعانية جزء من تحقيق الوعد الذي أعطاه الله لإبراهيم (تك ١٥) والأمر الذي بدوره سيكون بركة لكل شعوب الأرض (تك ١٢). لذا فهذه الحروب كان لها دور مؤقت في تاريخ الفداء حيث نرى مقاصد الله تتم ويعد شعبه لمجيء الرب يسوع المسيح ليخلص شعبه منفذًا وعوده التي ستكتمل بمجيء المسيح ثانية.
لكن لم يكن هذا فقط هو الهدف من هذه الحروب أو الدينونة التي أوقع بها الله على شعوب كنعان. كانت هذه الحروب ظلاً لدينونة الله النهائية في اليوم الأخير. تذكر أن هناك يوم دينونة آت لا محالة ونحن لن نفهم عظم محبة الله لنا إن لم نفهم عظم غضبه ورفضه للشر فموت المسيح كان ضروريًا لإظهار عدل الله وتحويل غضبه عنا. وإن كانت هذه الحروب تؤرقنا فكم وكم يجب أن تكون رهبتنا من الدينونة الأخيرة دافعًا لنا للشهادة لمن لا يعرفون المسيح.