الكتاب المقدس وحده ( 1 ) – المبادئ الخمسة الأساسية للإصلاح: جوزيف أنطون

الكتاب المقدس وحده ( 1 ) – المبادئ الخمسة الأساسية للإصلاح

عندما كنا أطفال – وربما حتى يومنا هذا – انطلقت في مدارسنا الابتدائية حملة قادتها وزارة التربية والتعليم هدفها الرئيسي تطوير التعليم. وككل حملة كان من اللازم أن تتخذ هذه الحملة لنفسها شعارًا، كلمات بسيطة عندما تردّدها تتذكر الهدف الرئيسي منها، ولا أظن أن طفلًا عاصر تلك الأوقات يستطيع أن ينسى شعار “مدرستي نظيفة، جميلة، متطورة”، حتى إن كان هذا الشعار عبارة عن كلمات فقط، لم يتطبق على أرض الواقع في أغلب المدارس.

“القراءة للجميع”، “أنا أحبه”، “أتكلم من القلب”، وحتى “الإسلام هو الحل”، شعارات احتلت في ذاكرتنا مكانة خاصة لتذكيرنا بما كانت تهدف لتذكيرنا إياه. وكأي حملة، أو حركة، إن سألت المُصلحين في القرن السادس عشر عما هو شعار الإصلاح فسيكون واحد من اثنين “الكتاب المقدس وحده Sola Scriptura”، أو “بالإيمان وحده Sola Fide”. فقد فسّر اللاهوتيون الإصلاح بوصف دافع مادي وآخر منهجي له، الدافع المادي كان الخلاف حول التبرير بالإيمان، والدافع المنهجي كان حول سلطة الكتاب المقدس[1].

هذان المبدآن قد تطورا لكي يصيغا كل الأسس التي قام عليها الإصلاح، فنتج عن هذه الصياغة، الخمسة مبادئ الأساسية للإصلاح، ولكن شدّد المصلحون ومن خلفوهم أن هناك مبدأ من الخمسة مبادئ هو مبدأ تأسيسي، هو حجر الأساس للإصلاح، وهو “الكتاب المقدس وحده Sola Scriptura”.

الكتاب المقدس وحده:

        كان الصراع في وقت الإصلاح حول ما هو المعيار المطلق للحكم على الأمور الروحية وأمور الحياة المسيحية؟ ويشرح مايكل كروجر – عكس ما يظنه البعض – أن جواب الكنيسة الكاثوليكية لهذا السؤال كان بكل تأكيد “كلمة الله”! ولكن في أوسع نطاق لها، فكلمة الله بالنسبة لكنيسة روما وقتها كانت تشمل: 1. الكتاب المقدس، 2. التقليد، 3. السلطة التعليمية متمثلة في البابا[2]. إلا أن المصلحون الأوائل، ومصلحو ما قبل عصر الإصلاح – أمثال جون ويكلف أو “كوكب صبح الإصلاح” كما يسمونه، الذي ترجم كلمة الله إلى لغة الشعب وعلّم أنها دستور وشريعة الكنيسة وحدها – لاحظوا أن الله وكلمته، لا يعطون لأي بشر صلاحية وسلطة كلمة الله نفسها.

يخبرنا الروح القدس في الكلمة المقدسة أن “كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ”. (2 تي 3: 16- 17). لاحظ أن الروح القدس العَليم بكل شيء، يخبرنا أن الإنسان لكي يكون كاملًا، مستعدًا لكل عمل صالح، هو يحتاج إلى ماذا؟ كلمة الله وحدها!

وها هو الروح القدس في مزمور 19 يعدّد لنا حاجاتنا للكلمة المقدسة، فهي ترد نفوسنا، تجعلنا حكماء، تُفرِّح القلب، تنير العينين، عادلة في حكمها. وهي الكلمة المستقيمة – بلا أي اعوجاج أو خطأ – الثابتة للأبد. وواضح أن الرب يسوع نفسه شهد بمثل هذه الكلمات عن الكلمة المقدسة، فهي الحق (يو 17: 17)، النقيّة (يو 15: 3)، الثابتة للأبد (مت 5: 18).

لذلك كانت صرخة الإصلاح الأولى التي من شأنها أن تقلب موائد صيارفة الكنيسة في ذلك الوقت هي تحديد المعيار، وكانت الصرخة “الكتاب المقدس وحده” هو المعيار وصاحب السلطة.

وحده وليس بمفرده:

من أكثر الادعاءات الظالمة التي واجهت، ومازالت تواجه الإصلاح، هو أنه تخلى عن إرث المسيحية من نشأتها وحتى القرن السادس عشر، أي أنه قد ضرب 1500 عام قبله عرض الحائط. فهل هذا صحيح؟ هل المصلحين ومن خلفوهم بتركيزهم على “الكتاب المقدس وحده” قد تناسوا أشياء كثيرة يجب أن نأخذها بعين الاعتبار؟ ماذا عن المعلمين، إقرارات الإيمان، آباء الكنيسة؟ هل كلمة الله كافية وحدها لكي نتعلم التاريخ، أو الفيزياء، أو ركوب السيارات؟

من الاستخفاف والجهل أن ننظر إلى المصلحين على أنهم رجعيين، كانوا يقبعون في مكاتبهم بين مؤلفاتهم، لا يهتمون إلا بالعقيدة، ولا يشغل بالهم حياة الأفراد[3]. لم يكونوا رجعيين ينادوا بإلغاء وظيفة المُعلم في الكنيسة، ولا نادوا بإهمال إقرارات الإيمان ولا أقوال الآباء، فالدارس لكالفن ولوثر سيجد كم هائل من الاقتباسات منهم، والدارس للإصلاح عمومًا سيجد العديد من قوانين وإقرارات الإيمان التي وضعت بعد الإصلاح – كهايدلبرج، ووستمنستر، وبلجيكا، ودورت – ولكن الإصلاح نادى بأن هامة كل تلك الأشياء لا يمكن أن تعلو فوق كلمة الله. فكلمة الله وحدها هي الخالية من الأخطاء، بينما يمكننا أن نكتشف أخطاء في فهم المعلمين الكنسيين، وإقرارات الإيمان.

وهذا ما جاء بالنص في إقرار إيمان وستمنستر “إن الحاكم الأعلى الذي بواسطته يُفصل في كل الخلافات الدينيّة، وبه يجب أن تُفحص كل قرارات المجامع، وآراء الكتّاب القدامى، وتعاليم الناس، والادّعاءات باستنارات خاصة، والذي نتكل على قراراته، لا يمكن أن يكون آخر سوى الروح القدس متحدِّثًا في الكتاب المقدس”.[4]

وبكل تأكيد كفاية كلمة الله لا تعني أننا لا نحتاج إلى تعلُّم قيادة السيارات، أو اللغة الإنجليزية، أو الفيزياء من مصادر أخرى. فكلمة الله كافية لحياتنا الروحية ومسيرتنا مع الله.

“إن لم تقنعوني بكلمة الله، والدليل المقنع، فلن أتراجع عن موقفي، ضميري أسير كلمة الله”. هذه هي كلمات المصلح لوثر في محاكمته في مجمع “وورمز”، وهي نفس شعار الإصلاح “الكتاب المقدس وحده” هو من يأسر ضمائرنا، ويكون الحاكم لحياتنا.

واليوم، مع لوثر وكالفن وويكلف، مع أبطال الإيمان عبر العصور، يجب أن تتمسك الكنيسة بإعلان كفاية كلمة الله، يجب أن ترجع الكنيسة مرة أخرى لاحترام سلطة الكلمة المقدسة، بعدما سمحت للكثير من الآراء الليبرالية المدمرة أن تجتاحها. يجب أن نعلن صدقها، ونقائها، وصحتها، وثباتها عبر السنين، أمام من يحاولون بشتى الطرق إعلان ضعفها وبشريتها البحتة. متذكرين قول الروح القدس “لأَنَّكَ قَدْ عَظَّمْتَ كَلِمَتَكَ عَلَى كُلِّ اسْمِكَ”. (مز 138: 2)


[1] أر. سي. سبرول، اللاهوت الإنجيلي الأصيل: فهم الأساسيات، القاهرة: ميرف، 2019.
[2] مايكل كروجر، الكتاب المقدس وحده، مقال منشور على موقع خدمات ليجونير بتاريخ 19 أكتوبر 2019. 
https://ar.ligonier.org/tabletalk/scripture-alone/
[3] للقراءة حول تأثير الإصلاح والمصلحون في جوانب الحياة العملية يمكن الرجوع إلى: 
سهيل سعود، 1517 الإصلاح الإنجيلي وتأثيره في نواحي الحياة، الأردن: أوفير للنشر، 2017.
[4] إقرار إيمان وستمنستر، موقع خدمات ليجونير.
https://ar.ligonier.org/about-us/creeds-and-confessions/westminster-confession-of-faith/#Chapter_01