مسؤولية أن تكون خادمًا للإنجيل: جون موراي

مسؤولية أن تكون خادمًا للإنجيل

إذا دُعيتَ لتكون راعيًا في كنيسة، ونُصِّبتَ لتنفيذ هذه الدعوة، فهناك الكثير من المهام قد آلت إليك ضمن هذه المسؤولية الخاصة. لكن أوَدّ أن أُلفت انتباهك بشكلٍ خاص إلى اثنتين من هذه المهام لأنهما في اعتقادي أهم وظيفتين موضوعتين على كاهل خادم الإنجيل، وهما:

الوعظ بكلمة الرب.

الخدمة الرعوية.

قبل كل شيء، لنبدأ بواجب الوعظ أو التعليم بكلمة الرب، أنت مُطالب بالاجتهاد في كلمة الرب والتعليم، وفي الحديث عن هذا الأمر، أريد ذكر ثلاث نقاط:

أولًا:

 لا تثقُّل نفسك ولا تسمح للآخرين بوضع أي ثِقل عليك ليشغِلك بأمورٍ أخرى قد تأخذ من الوقت والجهد المطلوب من أجل التحضير بشكلٍ كافٍ للوعظ والتعليم، الحقيقة أن كلمة الرب في غناها وكفايتها بين يديك، إنها ماثلة أمامك، لكن لكي تكتشف هذا الغنى وتُخرِج الجواهر من هذا الكنز الذي لا ينضب، النافِع للتّعليمِ وَالتّوبيخِ، للتّقويم وَالتّأديبِ الذي في البرِّ، يجب أن يكون هناك دم ودموع وعرق!

يجب أن يكون هناك جهدًا حثيثًا، وبحثًا في الكتبِ، وتطبيقًا على الفهمِ السليمِ، لكي ما تكون قادرًا على إظهارها بطريقة تتناسب مع مسؤوليتكَ الخاصة.

ثانيًا:

أريدُ أن أشددّ على ضرورة أن تُدرك بعمقٍ واستمرارٍ اعتمادك الكامل على الروح القدس في فهم الكلمة وفي الكرازة الفاعلة المؤثرة. لا وقت للكسل، ليس لك عذرًا عن الجهد الحثيث المخلص في دراسة كلمة الله وتطبيقك المخلص بكرازة فعَّالة. واعتمادك على الروح القدس ليس مدعاةً للتراخي، بل إن اعتمادك المُطلق على روح الله هو سببٌ للتشجيع والثقة، إنه الروح القدس، والروح القدس وحده، هو الذي يمنح البرهان والقوة اللذان بهما ستذهب كلمة الله للبيوت بتأثيرها وقناعتها وإثمارها في قلوب وعقول وحياة مُستمِعيك، هو الروح القدس وحده الذي يولِّد اليقين التام واعتمادك على الروح القدس هو ما يمنحك العزاء.

لقد أُعطيَ الروح القدس يوم الخمسين، فلا نُهين الله بطلبتنا ليوم خمسين جديد! يوم الخمسين حدث في الماضي وكان حدثًا محوريًا ليُعلن ويكشف للجميع عمل الفداء، بحلول الروح القدس.

الروح القدس يسكن في الكنيسة، لقد حلَّ على الكنيسة ومازال يسكن في الكنيسة ليؤدي وظائفه التي سبقَ وأخبرنا عنها المسيح يسوع بنفسه: “وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ”. مسحةُ الروح القدس ضرورية ولا غنى عنها، ومع ذلك، يُمكنك أن تصلي بلجاجةٍ لتنال مسحة وقوة وبركات الروح القدس، لأنه فقط بمصاحبة إعلان وقوة الروح القدس سيُبكّت الرجال والنساء على الخطية، ويسألون ماذا نفعل لنخلص؟ مثلما حدث في هذا الموقف الخاص، عندما توّلدت قناعة قوية وراسخة مع إعلان وقوة الروح القدس، فقط حينها كان الإنسان قادرًا، بالفهم المُعطى بالروح وبالمسحة المُعطاة بالروح، أن يكون له قناعة بخطية وشقاء الإنسان وحاجته لغنى المسيح غير المُدرك.

هذا هو منظوري الثاني عن هذه المسؤولية، أن تُدرِك أكثر فأكثر اعتمادك الكامل على عمل الروح القدس، وعندما تصل لهذا الاعتماد التَّام على الروح القدس، ستكون أكثر اجتهادًا في إنجاز كل المهام الموضوعة عليك في ضوء فهم كلمة الله والكرازة الفعّالة بها.

ثالثًا:

أودّ أن أذكر أمرًا شديد الصلة، وهو أن تفكر كثيرًا في هذا الامتياز، وأن تفكر في هذه المسؤولية. وقد تحدثت بما يكفي عن هذه المسؤولية، وأريدُ الآن أن أشددّ عليك بخصوص تقديرك لهذا الامتياز، إنه امتيازك الخاص، أن تكون تابعًا للإنجيل، الإنجيل المجيد المبارك، أن تبشر بغنى المسيح غير المُدرك، أن تكون سفيرًا عن الملك الأبدي غير المائت، الذي لا يُغلب، أن تكون سفيرًا لملك الملوك وربّ الأرباب الذي سمعت أنه يسير بين أعمدة النور. ليس هناك مهَّمة أخرى على الأرض أُعطيت من الله لأي إنسان، أعظم من المناداة بمشورة الرب الكاملة، المناداة بإنجيل الربّ المجيد المبارك، والمناداة بغنى الفادي غير المُدرك. فكر كثيرًا في هذا الامتياز.

المهَّمة الثانية:

هي مهمّة الخدمة الرعوية، وهي من أهم الجوانب في مسؤوليات وامتيازات الخادم، وهنا أيضًا يوجد ثلاث نقاط أريد ذكرهم بمناسبة الحديث عن هذه المهمة تحديدًا:

أولاً:

رعاية كنيسة الله. أنا شخصيًا لا يُمكنني فَهم هؤلاء الرجال الذين دُعيّوا ليكونوا قسوسًا على كنائس ويهملون خدمة الرعيّة الذين في مسؤليتهم! لا أستطيع فهم ذلك، ولستُ أتوقع أن أفهم ذلك! لأنه جزء من الغموض حول الإثم الذي ينزلق فيه هؤلاء الذين دعيوا للخدمة!

أنت لا تقوم بتحضير عظتك من الرعيّة، بل إنك مع رعيّتك تنال كلمة من الرب. لكن يجب أن تتذكر أن العظة التي تقدمها من كلمة الرب لا بد أن تكون مناسبة لهم، ومُطبَّقة عمليًا في مواقفك. عندما تتحرك بين الرعيّة وتصبح ملمًا باحتياجاتهم وبالمواقف التي يمرّون بها، وبأفكارهم وفلسفاتهم وتجاربهم، حينها ستكون كلمة الرب التي تُعدّها من كنز الحكمة والحق الذي لا ينضب، ملائمة لهم وليست مجرد كلمات لا علاقة لها بهم.

ثانيًا:

في النقطة ذاتها (بخصوص الخدمة الرعويّة) أُحمّلك المسؤولية أن تكون دائمًا على أتمّْ الاستعداد وأن تكوِّن من رعيتّك “جمهورًا!” أقصد بذلك جمهورًا كأفراد أو كعائلات، كُنْ في مثل هذه العلاقة التي تجعلك مقربًا منهم ومصدر ثقة لهم، حينها يسكبون لديك كل تجاربهم المريرة، وكل مرارة في قلوبهم ونفوسهم وحياتهم.

أحمّلك يا صديقي العزيز جدًا مسؤولية أن تكون كأداة تقطِرُ زيتَ الابتهاج للحزانى، كعباءةِ تسبيح بروح السماويات لمنكسري القلوب والمثقّلين بالهموم والتعب.

الآن، هناك المزيد! يجب أن تنخرط في خدمة تقدم لأُناس الله التعزيَّة وقت التجارب التي بالضرورة يقع فيها الإنسان في هذه الحياة، يجب أن تقدم لهم مشورة الرب، مشورة الرب الكاملة في تفقُّدك الرعوي لهم، وتحملها لكل مكان أينما يكونوا. وتذكَّر ذلك، أن هناك الكثيرين الذين يسيرون في طريق الضلال، وآخرون على وشك أن يضلوا طريقهم، وتذكَّر أن هذا الامتياز الذي لا يقدر بثمن هو لك، أن ترد ضالاً عن طريق الإثم، أن تنقذ نفسًا من الموت، وأن تستر كثرة من الذنوب. انتهر ووبِّخ وعِظ بطول أناة بكلمة الرب.

ثالثًا:

أما ثالثًا وأخيرًا، أحمّلك مسؤولية أن تتذكر دائمًا أنك خادمًا للمسيح في هذه الخدمة الرعويَّة التي ستمارسها. كُن ودودًا مع رعيتك، متواضعًا ومتسربلًا بالتواضع، لأن الله يقاوم المستكبرين ويُعطي نعمةً للمتضعين. تحلى بالتواضع في تفقُّدك وفي واجبك الرعوي، لأنك إن لم تفعل ذلك، ليس فقط ستُغضِب الله، بل ستصبح سريعًا شخصًا منفرًا للناس. كن لطيفًا ومتواضعًا، افهم حدودك وكن دائمًا على استعداد لتتعلُّمِ من هؤلاء الذين علّموا الكلمة لتستطيع أنت أن تعلِّمها للآخرين. لكن يجب أن تتذكر أنك خادمًا للمسيح ولا تطلب إرضاء الناس، لأنك إن طلبت إرضاء الناس، لست خادمًا للمسيح، وأكررها ثانية، لا تخفْ! انتهر ووبخ وعظ بطول أناة بكلمة الرب.

أضعُ أمامك هذه المهام بتوقعات مُتضِعة وآمل أن تكون مثالاً وقدوةً، لأنك ستكون تحت رئاسة ويجب أن تدرك ذلك طوال الوقت، أنك يومًا ستُعطي حسابًا لرئيس الرعاة الذي بذل نفسه عن رعيّته، وأحمِّلك المسؤولية أن تعتمد دائمًا على الروح القدس لتكون ذلك الخادم الذي يحيا حياة الأبدية.