التبرير.. شرح رومية 8: 28-30
عادة ما يرتبك المسيحيون وتواجههم مشكلة مع مواضيع مثل “معرفة الله المسبقة”، لكن يجب ألا يرتبك أي مسيحي بخصوص عقيدة “التبرير”، لأنها الأساس لمكانتنا وموقفنا أمام الله.
إن الأصحاحات الأربعة الأولى من رسالة رومية مخصصة لهذا الموضوع “التبرير بالإيمان وحده”، لقد قدمها لنا الرسول بولس في العدد السابع عشر من الأصحاح الأول، ولكن لأن اليهود فشلوا في أن يدركوها، مع فشل الأمم أيضًا، فقد اضطر بولس إلى أن يناقشها بأكثر تفصيلًا ويوضحها بالعديد من الإثباتات في هذه الأصحاحات الأربعة.
إن التبرير في جوهره هو مصطلح قانوني أو شرعي، مصطلح ينتمي إلى عالم المحكمة القانونية. فهو يعني “إعلان براءة”، و”إعلان تبرير” هو في الحقيقة عكس الإدانة. لقد انتقل الشخص المسيحي من حالة “الدينونة” إلى حالة “التبرير”. ولهذا السبب فقد بدأ الرسول بولس الإصحاح الثامن بقوله “إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ”. إنه يبدأ مرة ثانية الحوار والجدل الذي انتهي إليه في الأصحاح الخامس، حيث كان يتحدث عن بعض تبعات التبرير.
إن تركيز الرسول بولس عادة ما يكون على أن هناك شيء ما عُمِلَ بواسطة الله، فيقول “الَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، فَهؤُلاَءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ، فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا”، بكلمات أخرى نحن لا نبرر أنفسنا أمام الله. الله هو الذي يبررنا، هو من يفعلها، وهذا هو لب الجدال في الأصحاحات الأربعة الأولى، بالانفصال التام عنّا وعن أعمالنا. إن التبرير ليس نتيجة لأي شيء صالح في داخلنا.
هناك آية تشرح هذا الأمر بما لا يدع مجالاً للشك، وهي الآية الخامسة في الأصحاح الرابع “وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَعْمَلُ، وَلكِنْ يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ، فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرًّا”. الله يبرر “الفاجر” وليس “البار“.
ونجده يناقش نفس الفكرة في (5: 6-8) “لأنَّ الْمَسِيحَ، إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ، مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ. فَإِنَّهُ بِالْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارّ. رُبَّمَا لأَجْلِ الصَّالِحِ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَيْضًا أَنْ يَمُوتَ. وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا”.
إنه عمل الله، فقط وحصريًا هو عمله. هذا هو قلب الجدال في هذه الرسالة. إنه الحكم الذي يتم بواسطة الله بخصوص هؤلاء الذين يؤمنون بالمسيح. لقد تم تبريرنا في المسيح، بواسطة الإيمان، فالإيمان هو الأداة.
دعونا نركز مرةً ثانيةً على بعض النواحي الأخرى في هذه العقيدة.
التبرير لا يعني الغفران، بالتأكيد التبرير يحتوي على الغفران، لكنه أمرًا أكبر من الغفران بكثير. فالتبرير يعني بالإضافة إلى أن الله يحكم أننا بلا ذنب، أنه أيضًا يحسبنا كما لو أننا لم نُذنب أبدًا. إنه يحكم بالبراءة ويحكم بأننا أبرار.
فعندما يبررنا الله فإنه يخبرنا أنه قد أخذ خطايانا وذنبنا، وقد حسبهم، أو وضعهم في حساب الرب يسوع المسيح وقد عاقبهم فيه. وقد أعلن أيضًا، عندما فعل ذلك، أن الله قد وضع في حسابنا أو “حسِبَ” لنا البر الكامل لابنه الغالي يسوع.
لقد أطاع الرب يسوع المسيح الشريعة بالتمام، لم يكسرها أبدًا من أية ناحية. لقد تمم مطالبها بالتمام. هذه الطاعة الكاملة هي حجر الأساس لبره. ما فعله الله هو أنه وضع في حسابنا بره الشخصي.
وعندما يعلن الله أننا أبرارًا، فإنه بذلك يُعلن أنه ينظر إلينا ليس كما نحن، بل بعدما قد ألبسنا بر الرب يسوع المسيح.
هناك ترنيمة كتبها السير المورافي زينزيندورف وتُرجمت بواسطة جون ويسلي عبرت عن هذا الأمر هكذا:
يسوع.. ثوب البر خاصتك..
هو جمالي، هو لباسي المجيد، وسط العالم المحترق.
بهذه الترنيمات.. سأرفع رأسي عاليًا بفرح..
يكمل السير ترنيمته وهو يرفض أي شيء أو أي شخص يشتكي علينا، وذلك بسبب أننا نرتدي ثوب بر ربنا يسوع المسيح. هذا هو معني التبرير، وهو عمل الله بالكامل. هو – أكرر – إعلان الله القانوني، الشرعي أننا لسنا فقط مغفور لنا، لكننا حُسبنا بلا أي ذنب. وبما أن الله قد ألبسنا بر المسيح، فسوف نستمر في هذه الحالة. بكلمات أخرى، لقد أُعطينا مقامًا جديدًا، وحالة جديدة في محضر الله.