عظمة الله: هيرمان بافنيك

عظمة الله

 من الصفحة الأولى للكتاب المقدس يلفت انتباهنا سمو الله المطلق فوق خلائقه. دون مجهود أو تعب يدعو الله كل العالم إلى الوجود بكلمته فقط.  بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ، وَبِنَسَمَةِ فِيهِ كُلُّ جُنُودِهَا. (مز 33: 6)، لأَنَّهُ قَالَ فَكَانَ. هُوَ أَمَرَ فَصَارَ. (مز 33: 9)، وَحُسِبَتْ جَمِيعُ سُكَّانِ الأَرْضِ كَلاَ شَيْءَ، وَهُوَ يَفْعَلُ كَمَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ السَّمَاءِ وَسُكَّانِ الأَرْضِ، وَلاَ يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: «مَاذَا تَفْعَلُ؟».(دانيال 4: 35)، هُوَذَا الأُمَمُ كَنُقْطَةٍ مِنْ دَلْوٍ، وَكَغُبَارِ الْمِيزَانِ تُحْسَبُ. هُوَذَا الْجَزَائِرُ يَرْفَعُهَا كَدُقَّة. وَلُبْنَانُ لَيْسَ كَافِيًا لِلإِيقَادِ، وَحَيَوَانُهُ لَيْسَ كَافِيًا لِمُحْرَقَةٍ.كُلُّ الأُمَمِ كَلاَ شَيْءٍ قُدَّامَهُ. مِنَ الْعَدَمِ وَالْبَاطِلِ تُحْسَبُ عِنْدَهُ.فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟ (إشعياء 40: 15- 18)، لأَنَّهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يُعَادِلُ الرَّبَّ. مَنْ يُشْبِهُ الرَّبَّ بَيْنَ أَبْنَاءِ اللهِ؟ (مزمور 89: 6).

لا يوجد اسم يمكننا أن نطلقه حقيقة على الله لأن اسمه عظيم. عندما تكلم الله إلى أيوب من العاصفة وأظهر أمامه أعماله العظيمة، خفض أيوب رأسه بتواضع  وقال: «هَا أَنَا حَقِيرٌ، فَمَاذَا أُجَاوِبُكَ؟ وَضَعْتُ يَدِي عَلَى فَمِي. (أيوب 40: 4)، هُوَذَا اللهُ عَظِيمٌ وَلاَ نَعْرِفُهُ وَعَدَدُ سِنِيهِ لاَ يُفْحَصُ.(أيوب 36: 26)، عَجِيبَةٌ هذِهِ الْمَعْرِفَةُ، فَوْقِي ارْتَفَعَتْ، لاَ أَسْتَطِيعُهَا.(مزمور 139: 6).

ومع ذلك نجد نفس هذا الإله العظيم المُمجد في علاقة وثيقة مع كل خلائقه، حتى أكثرها ضئالة وأصغرها. ماتعطينا إياه الكلمة المقدسة ليس مفهومًا مجردًا عن الله، كما تعطيه لنا الفلسفة، لكن كلمة الله تضع الإله الحي بنفسه أمامنا، وتدعنا نراه في أعمال يديه. لنرفع أعيننا ونرى مَنْ صنع كل هذه الأشياء. كل هذه الأشياء صُنعت بيديه، جاءت للنور بمشيئته وبعمله، وهي قائمة ومحفوظة بقوته.

لذلك يحمل كل شئ ختم جلاله، وعلامة صلاحه وحكمته وقوته. ومن بين المخلوقات وحده الإنسان صُنع على صورة الله ومثاله، وحده الإنسان يُدعى ذرية الله ( أعمال 17: 28).

وبسبب هذه العلاقة الحميمة، يمكن تشبيه الله ببعض صفات مخلوقاته، ويمكن الحديث عنه بشكل تجسيدي. نفس الكلمة المقدسة التي تتحدث بكل الإجلال عن مجد وعظمة الله التي لا تُقارن، في نفس الوقت تتحدث عنه بصور وتشبيهات مفعمة بالحيوية. إنها تتحدث عن عينيه وأذنيه، عن يديه وقدميه، فمه وشفتيه، وقلبه وأحشاؤه. إنها تنسب كل أنواع الصفات إلى الله، من الحكمة والمعرفة، القوة والإرادة، والبر والرحمة. وتنسب له أيضًا بعض المشاعر مثل الفرح والحزن، الخوف والغيظ، الغيرة والحسد، والكراهية والغضب. إنها تتحدث عن ملاحظته وتفكيره، نظره وسمعه، تذكره ونسيانه، شمه وتذوقه، جلوسه وقيامه، زيارته ورحيله، بركته وتأنيبه، وما شابه ذلك.

فهي تقارنه بالشمس والنور، النبع وجداول المياه، الصخرة والملجأ، السيف والترس، الأسد والنسر، البطل والمحارب، الفنان والبنّاء، الملك والقاضي، الزوج والراعي، الرجل والزوج. بإختصار، كل ما يمكننا أن نجده في العالم من دعم وحماية ومساندة، نجده وبوفرة في الله. الَّذِي مِنْهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشِيرَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَعَلَى الأَرْضِ( أفسس 3: 15)، هو شمس الوجود وكل الخلائق إشعاعتها العابرة.

لذلك من المهم، في مسألة معرفة الله هذه، أن نتمسك جيدًا بهاتين المجموعتين من الجمل التي تختص بالكينونة الإلهية وأن نكون متوازنين فيهما.

لأننا لو ضحينا بسمو الله المطلق على كل خلائقه، سوف نقع في تعدد الآلهة – ديانة وثنية تفترض وجود العديد من الآلهة – أو وحدة الوجود – ديانة وثنية تفترض أن كل شئ من حولنا  في الطبيعة هو الله – وهما ديانتين زائفتين. وبحسب الدرس الذي نتعلمه من التاريخ، فهما قريبين جدًا، ومن السهل العبور من الواحدة إلى الأخرى.

وإذا ضحينا بعلاقة الله الوطيدة مع خلائقه، فاننا سننطرح أرضًا إلى الربوبية – الإيمان بالله دون الحاجة وحيّه أو إعلانه – أو الإلحاد – إنكار وجود الله – وهما ديانتين، مثل الديانات الأخرى، لهما خصائص عديدة ومشتركة.

يتمسك الكتاب المقدس بمجموعتي الخصائص، واللاهوت المسيحي قد اتبع هذا النهج. الله في الحقيقة ليس عنده اسم يمكننا أن نناديه به، وهو يُسمي نفسه ويتركنا نناديه بالعديد من الأسماء.

هو الممجد بشكل مطلق، وفي نفس الوقت الشخص الذي يحيا بجانب كل خلائقه. دعونا نفهم أنه من ناحية كل صفات الله لايمكن أن نتشاركها، ومن ناحية أخرى كل صفاته يمكننا أن نتشاركها معه.

لا يمكننا أن نفهم هذا بعقولنا، لا يوجد ما يمكننا أن نسميه المفهوم المتكامل عن الله. لا يوجد أحد يمكنه أن يضع تعريفًا، أو تصورًا لله بما يتناسب مع كينونته. الاسم الذي يعبر بالتمام عن مَن هو الله غير موجود. غير أن كل مجموعة من الخصائص المذكورة أعلاه، لا تتعارض مع المجموعة الأخرى.

تحديدًا لأن الله عالى ومُمجد، وهو ساكن الأبد، وهو الساكن مع ذوي الروح الوديع والمتواضع (إشعياء57: 15). نحن نعلم أن الله لم يكشف عن نفسه لكي نبني مفهومًا فلسفيًا عنه من خلال وحيّه، لكن لكي نقبله، الإله الحي الحقيقي، أن نعرفه ونعترف به.

 أَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ.”… (مت 11: 25-30)

المعرفة التي يعطينا الله إيَّاها بإعلانه إنّما هي معرفة إيمانية. فهي ليست كافية، إذ إنّها لا تُعادِل كينونةَ الله؛ لأنّ الله مرتفعٌ على كل خلائقه ارتفاعًا. ومعرفة كهذه ليست رمزية بالتمام أيضًا، كأنْ نقول إنّها مَصوغة بتعبيرات قد أنشأناها اعتباطيًّا وهي لا تقابل أيَّة حقيقة. لكنّها معرفة مُستقاة/مُستمدّة ectypal (دمغ، أو خَتْم كما في الطباعة) [هي المعرفة عن الله التي يمكن لعقول محدودة أن تصل إليها] أو تشابهية تقريبية (تماثُل أو تشابُه في الصيغة) لأنّها تقوم على التشابه والعلاقة الموجودة – على الرَّغم من الجلال المطلَق لله – بين الله وأعمال يديه.

إنّ المعرفةَ التي يمنحنا الله إيَّاها عن نفسه في الطبيعة وفي الكلمة المقدسة معرفةٌ مقصورة ومحدودة وجُزئية، لكنّها مع ذلك صحيحة/حقيقية ونقيّة. هذا هو الله كما أعلن عن نفسه في كلمتِه وخصوصًا في المسيح وبواسطته، وهو وحده مَن يشبع احتياج قلوبنا.