“يسوع هو مركز التاريخ“
ونحن نُحَضِّر للاحتفال بعيد الميلاد يجب فهمِ أصول وأساسات قصة الميلاد. لذلك رسالتنا مبنيةٌ على تطبيقات العهد الجديد لنصوص العهد القديم التي لا يُمكن تطبيقها إلا على شخص المسيح.
منذ البداية، عندما دعى الرب أبرامَ العبراني لأن يتركَ أهلَهُ وأرضَهُ ويتبعَهُ كان هناك وعدٌ مُستقبلي. نقرأ عن ذلك في الفصل الثاني عشر من كتاب التكوين التوراتي، أولِ كتب العهد القديم. الوعدُ شَمِلَ مباركة أبرام بالأرض والاسم والأمة العظيمة. ليس ذلك فقط لكن أبرام وُعِدَ أيضًا بأن يكون بركةً. الواقع أن الرب قال له أن أولئك الذين يعارضون مُخططه لبركة كل الشعوب تنزل عليهم اللعنة بينما يتبارك المتعاونون مع مخططه. النتيجة النهائية لدعوة أبرام هي لبركة جميع قبائل الأرض، بعد ذلك غيَّر الرب اسمَ أبرام الذي عنى أبًا لأمةٍ واحدة فصار إبراهيم أي أبَ جمعٍ كبيرٍ من الأمم. كان أبرام قد وُعِدَ بنسلٍ وقيل له أن المواعيد لا تتم في حياته هو.
في مرحلةٍ لاحقة امتُحِنَ إيمان إبراهيم عندما طُلِبَ منه أن يقدمَ ابنه ذبيحةً، وقد أطاع إبراهيم. لكن الربَ تَدَخل ومدح إيمانه ووفرَ حملًا كذبيحةٍ بديلة وقال له بعد ذلك في الفصل الثاني والعشرين والعدد الثامن عشر: “وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي” (تك 22: 18).
هذا الوعدُ لم يكن سيتحقق في حياة إبراهيم. الواقع أنه في الفصل الخامس عشر والعدد الثالث عشر قيل لأبرام: “أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيبًا فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ، وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ. فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ” (تك 15: 13). هذا كان جزءًا من المخطط الإلهي الذي يقودُ لتحقيقِ الوعد ببركةِ جميع الأمم عن طريق نسل إبراهيم. الأمر كان سيستغرق قرونًا طويلة حتى بعدما تحرر العبرانيون من عبودية مصر. إنه أمرٌ في غاية الحيوية بالنسبة للمسيحيين وللجميع أن يتذكروا حقيقتانِ أساسيتان عن طبيعةِ وقصدِ الدعوة الإبراهيمية. أولًا، يجب أن نتذكر أن الأمرَ كان سيقتضي قرونًا طويلة من الأحداث التي تقودُ لهدف دعوة الرب لإبراهيم، بعضُ تلك الوقائع لم يكن لا سهلًا ولا ممتعًا لأنها شملت خيانة الأمة العبرانية لطرق الرب. ذلك افترضَ عقابًا سماويًّا لتنقية الخط الموعود الذي يقودُ لتحقيق الوعود. في الفصل الأول من بشارة متى في مطلع العهد الجديد نقرأ في العدد السابع عشر أن الأمرَ احتاجَ لثلاثةِ قوائم من أربعةِ عشرَ جيلًا قبل أن يأتي النسل الموعود للبركة.
ثانيًا، علينا أن نتذكر أن تحقيق الوعد يقودُ لبركةِ كل العالم. لا يجب أن ننسى إطلاقًا أن الوعدَ لم يكن لمجردِ بركة العرق العبراني بل هو لبركةِ جميع قبائل الأرض. وذلك تطلب نسلًا لإبراهيم. ومع ذلك فإنه حتى قبل الدعوة الإلهيّة لأبرام العبراني كان هناك وعدٌ بنفسِ النسلِ في مطلع التاريخ والكتاب المقدس. ذلك جاء في قرينة سقوط أبوينا الأوليْن في التمردُ على الخالق المبارك القدوس. الشيطان الشرير المُجرب هو نفسه هُدِدَ بمجيء شخصٍ يُفَشِّلُ مُخططه لإفسادِ خليقة الرب الخاصة، أي جنسنا البشري. الشخص الموعود قيل بوضوح أنه يأتي كنسل المرأة أي ليس عن طريق رجلٍ مع امرأة بل عن طريقِ ميلادٍ عذراوي هذا وَرَدَ في تكوين 3: 15.
إذن، توالت أجيالٌ ومرت قرونٌ قبل أن يُدعى أبرامُ العبراني ليكون الوسيلةَ البدائية لقدوم نسل المرأة الموعود في مطلع الكتاب المقدس والتاريخ. أجيالٌ أخرى وقرونٌ أخرى كان يجب أن تمر بعد دعوة أبرام إلى أن يأتي النسل الموعود لإبراهيم وذلك عن طريق خط إسحق ويعقوب (المدعو أيضًا إسرائيل). بعد ذلك اتضحَ أن الخطَ يتواصل مع يهوذا ابن إسرائيل. ذلك الخط قادَ للملك داود وابنه سليمان وتواصل هكذا حتى مجيء وليد العذراء.
العمليةُ شملت تعيين الرب لأنبياءٍ أمناء يحتفظون بالرسالة والوعد من جيلٍ إلى جيل. النبي إشعياء في مطلع كتابه في الفصل الثاني تحدَّث عن تحقيق ذلك، نقرأ (إش 2: 2-3): “وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتًا فِي رَأْسِ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ، وَتَجْرِي إِلَيْهِ كُلُّ الأُمَمِ. وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَيَقُولُونَ هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، إِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ لأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ الشَّرِيعَةُ، وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ الرَّبِّ“.
في العدد الخامس يحثُ النبي إسرائيل للتحضير لتلك الأيام فيقول: “يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، هَلُمَّ فَنَسْلُكُ فِي نُورِ الرَّبِّ” (إش 2: 5).
في إشعياء 4: 2 يقول: “فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ غُصْنُ الرَّبِّ بَهَاءً وَمَجْدًا، وَثَمَرُ الأَرْضِ فَخْرًا وَزِينَةً لِلنَّاجِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ“. يواصلُ في الفصل الخامس والعدد السادس والعشرين فيتحدَّثُ عن رايةٍ تدعو الأمم للانضمامِ لركبِ نور الرب. هذا يقودُ ل إش 7: 14 عن نسل المرأة. يقول: “يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً. هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ“. هذه المرة تتضح نقطتان، من جهةٍ المرأة هنا عُرِفَ عنها أنها عذراء. من الجهة الأخرى نرى أن الربَ نفسه يُعطي الآية واسم الوليد عمانوئيل مما يعبر عن وجود الربِ بين البشر. في الفصل التاسع تعطي النبوة تفاصيلَ عن ابن العذراء هذا. في العدديْن السادس والسابع نقرأ: “لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ. لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هذَا” (إش 9: 6-7).
بعد الإشارةِ للقوائم الثلاث لأربعة عشرَ جيلًا، من إبراهيم وحتى يوسف والعذراء مريم، مرورًا بداود يقول البشير متى في 1: 22-23 أن تلك النبوة تنطبق على يسوع بالذات ثم أن الرسول بولس كتب لكنيسة غلاطية في 4: 4-5: “لكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ الشريعة، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ الشريعة، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ“. أما ملء الزمان فهو يشيرُ لتحقيقِ ما كتبه إشعياء عن الأيام الأخيرة. هذا يؤكد تمامًا ما نقرأه في مطلع رسالة العبرانيين الإنجيلية عب 1: 1-3: “اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ، الَّذِي وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ“
إذن، احتفالنا بالكريسماس أو عيد ميلاد يسوع هو عن تحقيق الوعد الإلهي المقطوع في مطلع التاريخ البشري. نحتفلُ بالتدخل الإلهي في تاريخنا البشري. الربُ نفسه حلَّ بيننا نحن البشر. لأجل هذا السبب فإن يسوع الذي وُلد للعذراء مريم في يوم الكريسماس دُعي عمانوئيل أي الله معنا. استغرق الأمر قرونًا طويلة عبر أجيالٍ كثيرة تحضيرًا ليوم الميلاد. تطلب الأمر خطًا من إبراهيم إلى إسحق إلى إسرائيل إلى داود وحتى ميلاد يسوع. الخطُ جاء في أمة واحدة ولكن لبركة كل الأمم.
إذن، عيد الميلاد هو عن مجيء المسيح الفادي. من مطلع التاريخ البشري وحتى قدومه في يوم الميلاد تقدَّمَ التاريخُ البشري خطوةً خطوة نحو قدومه إلى عالمنا البشري. هو آدم الثاني المنتصر تمامًا على الخطية. وهو إذ يتمتعُ بكاملِ الطبيعة الإلهيَّة وكامل الطبيعة البشريَّة جاء المسيح ليؤسسَ عِرقًا روحيًّا آدميًّا جديدًا. كل من ينتمون له توجد أسمائهم في سِجِل الحياة الأبدية الذي يُمسكه ويفتحه بنفسه. مجيئهُ يُشيرُ لتواصل عملية تجميع وبركة البشرية الجديدة فيما تبقى من تاريخنا البشري. مسيحنا هو نسل إبراهيم الأبُ الروحي لجماعة الإيمان من كافةِ شعوب الأرض. وقد جاء في يوم الكريسماس لبركة كل الأمم. هذا ما يجب أن نفهمه ونحتفلَ به في عيد الميلاد. هللويا.